لما استقرت الخلافة لأبي بكر صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة والكذب خيانة والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ معه الحق والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق إن شاء الله، لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله.
هذا كلام صدر من أول خليفة في الإِسلام يمثل معنى الرئاسة العامة في الإِسلام تمثيلاً تستكن أمامه القلوب التي اشرأبت إلى حب العدل.
[الكلام على جيش أسامة رضي الله عنه]
أول جيش بعثه أبو بكر رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما الذي كان جهزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوفي قبل بعثه وارتدّت العرب حول المدينة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقبل بعثه اجتمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا لأبي بكر رضي الله عنه رد هذا الجيش كيف توجه هؤلاء وقد ارتدت العرب حول المدينة فأجابهم بقوله: والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تخطفني ما رددت جيشاً جهزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا حللت له لواء. وكأن بعض الصحابة استصغر أسامة أمير الجيش وقالوا لعمر رضي الله عنه: امض إلى أبي بكر وأبلغه عنا واطلب منه أن يولي أمرنا أقدم سناً من أسامة. فلما بلغه عمر ذلك قال له: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأمرني أن أعزله؟ ثم خرج أبو بكر للجيش وأشخصهم وشيّعهم وهو ماش وأسامة راكب. فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا نزلتَ ولا ركبتُ وما عليّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله. فلما أراد أن يرجع أوصى أسامة ومَن معه فقال: لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوا ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا