أمته، تجد ذلك في مأكله وملبسه ومشربه، ثم عرفوا منه أنه للعامة قبل الخاصة يكل هؤلاء إلى ما لهم من الحول والحيلة في الحياة الدنيا ويقبل على عامة الناس وضعفتهم فيقويهم ويسودهم وينظر في صغار أمورهم وكبارها, لا يبالي بما يصيبه من تعب الجسم فيما هو بسببه، لذلك كانت قوة الأمة معه، وعرفوا منه أيضاً خلالاً أدّبه فيها القرآن وهي: الحق والعدل والصدق والصبر على البأساء والضراء والوفاء بالعهد وهي صفات تحلّى بها عمر رضي الله عنه فأتعب من بعده، وكان من أخص صفاته الجد المصحوب بالحزم مع التأني في الأمور والاستشارة في جليلها وصغيرها, لهذا من تتبع سيرته لا يراه فشل في أمر من الأمور، من ذلك الفتح العظيم الذي كان على عهده الذي توفق إليه صاحبه من أول عهده بالخلافة إلى وفاته. وسبب هذا التوفيق هو الجد والحزم وعدم التردد في الأمر وتمحيص الأشياء، شأن كل رجل عظيم يريد ما يقول وينال ما يريد، ولو بحثنا في التواريخ القديمة والحديثة لوجدنا في كل أمة رجلاً أو رجالاً من رجال السياسة والحرب تفتخر بهم لكن ليس من هؤلاء الرجال من اجتمعت فيهم الخصال السامية والأخلاق الحميدة التي اجتمعت في عمر رضي الله عنه.
نعم إن من مشهوري الرجال رجالاً أسسوا ملكاً عظيماً أوسع من ملك عمر وافتتحوا من الممالك ما لم يفتحه ونالوا من السيادة على الشعوب الكثير فوق ما نال، لكن هل كان منهم مَن كان كعمر جباراً غير ظالم كريماً غير مسرف عادلاً لا عن ضعف شجاعاً غير متهور قنوعاً غير شره زاهداً بغير تصنع حليماً من غير جبن تقياً غير متنطع؟ كلا لا سيما إذا نشأ بين قوم كقومه حالهم من البداوة معروف. والحاصل أن التاريخ حكم عدل وقد جاء تاريخ عمر حافلاً بالخصال الحميدة والأمور الجسام التي جعلته سابقاً على كل من أتى بعده وجعلت كبار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشعرون بأن الإِسلام فقد بفقده أثبت أركانه.
[وفاته رضي الله عنه]
استشهد رضي الله عنه من طعنة بخنجر من أبي لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وقت صلاة الغداة روى المؤرخون أنه شكا إلى عمر ارتفاع الخراج الذي ضربه عليه مولاه المغيرة ورجاه في تخفيفه واختلف المؤرخون في جواب عمر رضي الله عنه فقال بعضهم إنه وعده خيراً وعزم أن يذاكر المغيرة في تخفيف الخراج عنه. وهناك روايات أخرى تختلف في جوهرها عن هذه، ويؤخذ من أقوال المؤرخين أن قتل عمر لم يكن نتيجة حقد الغلام عليه وعدم تخفيف الخراج عليه ولكنه كان نتيجة