١٧٨٣ - اعلم أن الصحابة وأكابر التابعين كانوا على علم بالكتاب وكانوا أسبق الناس إلى الائتمار بأمره والانتهاء بنهيه وقد علموا ما أوعد الله به كاتم العلم من لعن وطرد وإبعاد عن رحمة الرب فكانوا إذا علموا شيئاً من سنن الرسول بادرا إلى تعليمه وإبلاغه خروجاً من التبعة وابتغاء للرحمة فسرعان ما ينتشر بين الجماهير فلئن نسي بعض منهم فرب مبلغ أوعى من سامع فمن البعد بمكان أن يضيع شيء من السنة أو يخفى على جمهور المسلمين ولم يكن الصحابة يقبلون الحديث من كل محدث بل عموا أن من الحديث محرماً ومحللاً ومخطئاً ومصوباً وأن سبيل ذلك اليقين أو الظن الأخذ بأهدابه لذلك تثبتوا في رواية الحديث جد التثبت فكان لهم في الراوي نظرة كما كانت لهم في المروي وكان كثير منهم يأبى إلا شاهداً معضداً أو يميناً حاسمة تميط لثام الشك عن وجه اليقين، روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بذلك فأنفذه لها، وعمر رضي الله عنه سنّ للمحدثين التثبت في النقل ولقد كان كثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقلون من الرواية عن رسول الله خشية أن يدخلوا في الحديث ما ليس منه سهواً أو خطئاً فينالهم من وعيد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا ينكرون على مَن يكثر من الرواية إذ الإكثار مظنة الخطأ والخطأ في الدين عظيم الخطر فأنكروا على أبي هريرة كثرة حديثه حتى اضطر لتبرئة ساحته أن يبين السبب الذي حمله على الإكثار فقال إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً ثم يتلو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)} إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشبع ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون.
[مبدأ تدوين السنة]
١٧٨٤ - لما انتشر الإِسلام واتسعت البلاد وشاع الابتداع وتفرقت الصحابة في الأقطار ومات كثير منهم وقلّ الضبط دعت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده