فلا شيء يدوم فكن حديثاً ... جميل الذكر فالدنيا حديث
في روح المعاني عند قوله جل ذكره: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)} الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن والذكر الجميل إذ لو لم يكن مرغوباً فيه ما امتن الله به على رسوله - صلى الله عليه وسلم - والذكر قام مقام الحياة ولذا قيل ذكر الفتى عمره الثاني، قال ابن دريد:
وإنما المرء حديث بعده ... فكن حديثاً حسنًا لمن وعى
ويحكى أن الطاغية هلاكو سأل أصحابه مَن الملك؟ فقالوا له: أنت الذي دوَّخت البلاد وملكت الأرض وأطاعتك الملوك، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن فقال الملك هو الذي له أزيد من ستمائة سنة قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم وليلة خمس مرات ريد محمداً - صلى الله عليه وسلم -.
تنبيه: من أعيان العلماء المعاصرين لهؤلاء الأمراء البرادعي وابن الضابط واللبيدي وأبو عمران الفاسي وأبو بكر بن عبد الرحمن والتونسي وابن يونس وابن العطار.
[الطبقة العاشرة]
لما توفي المعز بويع لابنه أبي يحيى تميم واشتغل بما بقي من المملكة وضبطه أحسن ضبط وكان شاعراً وشعره رائق مدوَّن وأبو علي بن رشيق كان من ندمائه وله فيه قصائد طنانة وكان أعلم بني مناد وأعفاهم عن الأمور العظام وكان حسن السيرة محمود الآثار محباً للعلماء معظماً لأرباب الفضائل حتى قصدته الشعراء من الآفاق على بعد الدار كابن السراج السوري ونظرائه يجيز الجوائز ويعطي العطاء الوافر، فضائله كثيرة وله أخبار ووقائع عجيبة مع الثائرين، وفي أيامه توالت على سوسة أمراء من العرب وملوكها حين استولوا على البلاد وانتزعوها من يد صنهاجة واستقرت أخيراً تحت ملك جبارة بن كامل بن سرحان بن أبي العيس البعيد الصيت المشتهر بالجود ومن يده أخذها النصارى حين أخذوا المهدية من يد الحسن الآتي ذكره واستولوا على بلاد الساحل ولما وصل عبد المؤمن استنقذها من يد النصارى وسنأتي على شرح ذلك قريباً وللشعراء في مدح جبارة قصائد طنانة منها قصيدة التراب السوسي في رحلة التيجاني قد أولع أعراب زماننا بإنشادها وكثرة تردادها ولأجل ذلك ذكرناها بكمالها وإن كان فيها بعض طول لأن الحسن غير مملول وهي نحو المائة والعشرين بيتاً، أولها: