وفي أيام تميم هذا استولى العدو على صقلية سنة ٤٨٤ هـ ثم استولى على المهدية ثم خرج منها بعد عقد صلح وبقي على ذلك الحال وأموره معتلة إلى أن توفي سنة ٥٠١ هـ بالمهدية ونقل لرباط المنستير.
واعلم أنه قد علم مما تقدم في مواضع على وجه الاستطراد فتح صقلية وذكر بعض المآثر الحسنة التي خلدها الإسلام بها وزيادة على ما تقدم ذكره نذكر لك هنا بعض أخبارها على نسق باختصار كثير مما هو مبسوط في التواريخ فنقول إن أول من غزا صقلية معاوية بن حديج ولم تزل تغزى إلى أيام زيادة الله إبراهيم بن الأغلب وفيها حصل الاستيلاء على جانب عظيم منها وصارت مملكة متابعة لملوك إفريقية وتتابع الغزو إليها وإلى غيرها بعد ذلك حتى اتسع نطاق المملكة وأمراؤه عمال لملوك إفريقية يتولون الإمارة بعهد منهم واستمرت على ذلك المنوال أميراً بعد أمير ولا حاجة لذكر أسمائهم لأنه يؤدي إلى التطويل، وفي سنة ٣٣٦ هـ صار الوالي عليها الحسن بن علي بن أبي الحسين ثم صارت ميراثاً في عقبه إلى أن تفرقت صقلية إلى ممالك وصارت كل مملكة بي دملك متغلب عليها مستبد لا يسأل عن غيره فصار الفرنج ينتزعون تلك الممالك منهم مملكة بعد مملكة حتى كان استخلاص العدو لها تماماً سنة ٤٨٤ هـ بعد أن بقيت بيد المسلمين مائتين ونيفاً وسبعين سنة والذي تغلب عليه الملك رجار وكان عدم النظير في أبناء جنسه صاحب حزم ودهاء وسياسة ولما تم تملك صقلية تتابعت غارتهم على إفريقية فملكوا الجزائر ومالطة وجربة وطرابلس وقابس وسوسة وصفاقس والمهدية وكانت هاته الوقائع متتابعة في سنين وكان انتهاؤها سنة ٥٤٣ هـ كما ستعلم مما يأتي ذكره. وصقلية في أيام الإِسلام رحل إليها الكثير من وجوه الناس قضاة وفقهاء ومحدثين وغيرهم من الخاصة فضلاً عن العامة لرخاء أسعارها وأمن سبلها وعدل سلطانها وظهر منها الكثير من فحول العلماء والفقهاء والمحدثين والشعراء ترجمنا لبعضهم في المقصد والحاصل أنها في مدتهم بلغت غاية في الحضارة وعلو الشأن وتبحر العمران وبها كثير من المساجد وقد وصف ابن جبير في رحلته بعض مدنها وما شاهده من حالها وحال المسلمين بها بعد احتلال العدو لها حالة تبكي العيون دماً وتذيب القلوب ألماً.