العمل الجليل إلا مَن عانى أمر السنة وعرف من اجترأ فيها على الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم جماعة القصّاص والواعظين الذين شوّشوا على الأمة في الدين والسياسة والأخلاق تشويشاً الله أعلم بما جر على الأمة من البلاء، ولو لم ينهض أئمة الحديث وحفّاظه أواخر القرن الثاني وما بعده إلى تلافي هذا الخطب وتتبع الأسانيد الصحيحة وترتيب درجات الحديث وتعريف الموضوع من الصحيح لكان الخطب أعظم والمصيبة أشد. أما القرآن العظيم فلله الحمد والمنة على أنه سبحانه تكفل بحفظه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} قال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} لهذا كان أول ما ألهم إليه أبو بكر النهوض إلى جمعه من صدور الرجال وبعض الصحف فجمع وكتب بين الدفتين دون أن يلحق حرفاً واحداً منه تغيير أو تبديل وذكرت في المقصد كثيرًا من أئمة الحديث ورواته وما لهم وغيرهم من التصانيف في فنونه، وقد لخصها العلامة المحقق الشيخ محمد عبد العزيز الخولي في رسالة سماها مفتاح السنة أجاد وأفاد، وتتميماً لفائدتك أيها القارئ الكريم وخدمة للسنة أدلي إليك بملخصها دوراً دوراً وفناً فناً ببعض زيادة.
[مكانة السنة من الكتاب]
١٧٨١ - اعلم أن للسنة عملين تبيين الكتاب والاستقلال بتشريع الأحكام، أما الأول فلقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فلا سبيل إلى العمل بجل الشرائع التي تضمنها الكتاب إلا ببيان من المعصوم يفصل مجملها ويوضح مشكلها ويعين محتملها ويقيد مطلقها وكف نراك مصلياً إذا وقفت إلى ما نطق به الكتاب فحسب ولم تعرج على السنّة فتعرف أوقاتها وعدد ركعاتها وسجداتها وما يقيمها أو يبطلها إلى سائر أحكامها؟ وما الذي تخرجه من مالك زكاة إذا لم تسترشد بكتاب الصدقات من السنة؟ ثم كيف تؤدي مناسك الحج إذا لم تأتسِ بالرسول في قاله وحاله يوم أن حج بالناس حجة الوداع فلا جرم كان القرآن في حاجة إلى السنة. أما الثاني فلقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} إلى غير ما آية، وأخرج أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك رجل منكم متكئاً على أريكته يحدث بحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله مثل الذي حرم الله زاد أبو داود إلا أني أوتيت الكتاب ومثله معه" وقد حرمت السنة نكاح المرأة