الحمد لله الذي أنزل القرآن وهدى مَن أحب لاجتناء أزهاره، واقتباس أنواره، والأخذ بأوامره ونواهيه ووعده ووعيده وأخباره، واختار منهم خزنة لأسراره. وأرشدهم لإبراز رموزه، واستنباط كنوزه. ورفع مقام العلم وأهله، ووصل بسببه انقطاعهم بحبله، وأنعم عليهم سوابغ نعمه بفضله، وأكمل دينه وجمع مفترق شمله. وجعل الإسناد من الدين، وأبقاه متصلاً بينهم أبد الآبدين. حفظاً للدين من الشك والوهم، وصوناً له من التبديل والتغيير ومحو الرسم.
والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد صاحب الشريعة المطهرة، والسنة الواضحة النيرة، المخصوص بجوامع الكلم، وبدائع الحكم، ومكارم الأخلاق ومعالي الهمم. والتشريف والتكريم، والإجلال والتعظيم، والآيات والذكر الحكيم. وتلقي الوحي والتنزيل، من الروح الأمين جبريل. فبلغ ذلك ونهى وأمر، وأنذر وبشر، وضرب الأمثال وذكر. وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ووقروه ووفوا بالعهود ونصروه، ونقلوا شرعه العزيز وآثروه. وعلى خلفائه الراشدين المرشدين أئمة الهدى، والتالين له في شرف ذلك المدى، والقائمين بأعباء أمره الموعود أنه يبقى أبداً، وعلى التابعين وتابعهيم نجوم الاهتداء، والسنة في الاقتداء، وسائر حملة الشريعة وحماة الدين القويم، عن الزيغ وتحريفاته، وهداة الخلق إلى الصراط المستقيم، بإيضاح كلياته وجزئياته، صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين بدوام نعم الله تعالى على خواصه وأهل طاعاته.
أما بعد فيقول راقم هاته الحروف، الواجل من اليوم المخوف، عبده محمَّد بن محمَّد مخلوف: قد اغتنى العلماء بالتاريخ قديماً وحديثاً، وسعوا في ذلك سعياً حَثيثاً. فألّفوا التآليف البارعة، في أغراض متفاوتة مفيدة نافعة. فمنهم مَن ألّف في الرواة والمحدثين، والفقهاء والمفسرين والمتكلمين، والأدباء والشعراء والنحاة