واللغويين، والعلماء والخلفاء والملوك والسلاطين، وأتى على تراجمهم من دون تمييز ولا تفريق، ومنهم مَن أتى على فريق دون فريق، وبيّن مراده، فيما أراده. وممن سلك هذا الطريق العالم الشهير الذكر، الجليل القدر، أبو الفضل القاضي عياض فألّف المدارك، في طبقات أعيان الأئمة الآخذين بمذهب مالك، وتبعه العلامة الحامل لواء المعارف والفنون، برهان الدين بن فرحون، فألّف الديباج، وذيله العالم العامل أبو العباس أحمد باباً بنيل الابتهاج، فرغ منه سنة خمس بعد المائة العاشرة، وجاء بعده إلى هذا العهد أئمة لهم في العلم منزلة ظاهرة، ومزايا فاخرة. ومعلوم أنه لم يزل في كل عصر من حملة هذا الدين بدر طالع، وزهر غصن يانع، وعلم ترنو إليه الأبصار وتشير إليه الأصابع، ولم نجد مَن تعرض لجمعهم بحال، ونسج فضائلهم على ذلك المنوال. وقد اختلج ما يأتي ذكره في صدري، وعالجه فكري، حتى صرت أقدّم رجلاً وأؤخر أخرى، وأجري شوطاً ثم أرجع القهقرى. فتوجهت إلى الله تعالى واستخرته، وسألته إبراز ما اختلج في صدري واستعنته. وبعد ذلك انشرح صدري لتأليف تذييل مفيد مبين، وتكميل مستحسن معين. جامع لكثير من أئمة السلف، المترجم لهم قبل الخمس سنين بعد الألف، مع كونه صلة، إلى علماء العصر وشيوخنا الجلة، به كثير من أعيان علماء الدين والملة، مرتب على طبقات متصلة بمَن ختم الله به النبوة والرسالة المنتخب من خير عنصر وأطيب سلالة، مقتصراً على ما هو أولى، والحمد لله على ما أولى، جائحاً للاختصار، تاركاً التطويل والإكثار، بعد التثبت والتحري فيه، حسبما وصلت القدرة إليه، ولم آل جهداً في تحرير اسم المترجم له وعمن أخذ فنون علمه، وما له في التآليف التي هي من محاسن نثره وبديع نظمه، مع ذكر محاسن الصفات، وإثبات المواليد والوفيات، ومكثت أعواماً كثيرة أبحث عن ذلك جهدي، وكلما عثرت على ترجمة عالم قيدتها في ورقات عندي. ولم أدع كتاباً وقفت عليه إلا وعيته نظراً، وتحققته معتبراً أو مختبراً، وترددت في تفهمه ورداً وصدراً، وعكفت عليه بسيطاً كان أو مختصراً. واقتطفت منه ما لا بد منه، ولا مندوحة للإعراض عنه. فاجتمع من ذلك أعلاق جمة، وتراجم كثير من الأئمة، وأنا في ذلك ألتمس مزيداً، ولا أسأم بحثاً وتقييداً، فحصل بذلك الغاية المطلوبة، والبغية المرغوبة. ومع ذلك بقي بعض تحريرات إلى هذا الأوان مطوية عني محجوبة، حيث لم أجد عندي ولديّ، ولا أرى من خلفي وبين يدي، كتباً في الغرض أراجعها في المشتبهات، وأقتطف منها تراجم مَن لم يقع العثور عليه من العلماء الثقات. ثم جمعت تلك الأعلاق ورتبتها، على نحو ما انشرح إليه صدري وهذبتها، مقتطفة من تآليف نفيسة مهمة، مشار لها