لأكله. فسار أسامة فجعل لا يمر بقبيلة يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوهم فهزموهم وأغار أسامة على ابني موضع في الجنوب الغربي من الشام وغنم وعاد بعد أربعين يوماً وقيل بعد سبعين يوماً. وهذا يدل على علو كعب أبي بكر رضي الله عنه في السياسة وبعد نظره في مهمات الأمور فإنه ظهر به للعرب بمظهر القوة واستهان بإنفاذه بخطب الردة فنفث في روع العرب روح الرهبة فكانوا بين مقبل على الردة ومدبر عنها ومتردد بين الأمرين.
[فصل الكلام على أهل الردة وقتالهم]
اعلم أن من أعظم فضائل أبي بكر رضي الله عنه قتال العرب الذين ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين منعوا الزكاة وقال والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف بيدي وإن منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال له عمر رضي الله عنه: وكيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمَن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله تعالى" فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلن مَن فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال وقد قال "إلا بحقها" قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. قال الشيخ محيي الدين بن العربي في المسامرة: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلب أبو بكر رضي الله عنه الزكاة كفر بها قوم وقالوا: قد كنا ندفع أموالنا إلى محمَّد فما بال ابن أبي قحافة يسألنا! والله لا نعطيه منها شيئاً أبداً. فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجمع القوم على التمسك بدينهم في أنفسهم وأن يتركوا الناس مع ما اختاروه لأنفسهم، وتخيلوا أنهم لا يقدرون على من ارتد من المسلمين فقال أبو بكر رضي الله عنه: لو لم أجد أحداً يؤازرني لجاهدتهم بنفسي وحدي حتى أموت أو يرجعوا إلى الإِسلام، ولو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجاهدتهم حتى ألحق بالله تعالى. فلم يزل أبو بكر رضي الله عنه يجاهد بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عاد الناس جميعاً إلى الإِسلام ودخلوا فيه كما خرجوا منه.