نهض رضي الله عنه بعزيمة ماضية، وحكمة سامية، ونهض لنهضته رجال قريش فاستقبلت بصدورها حوادث الردة المريعة ونيرانها المتأججة، وأخذت على عاتقها استخضاع العرب وقد ارتدت قبائلها عامة وخاصة إلا ثقيفاً وقريشاً فاقتحمت رجالات قريش بالمهاجرين والأنصار وثقيف وبعض الأحلاف ذلك العجاج الذي يرتج بأهل الردة ارتجاجاً وخاضت بخيلها ورجلها حروب القوم بحراً أجاجاً. ولم يلبث أبو بكر رضي الله عنه أن أطفأ نيران الردة برجال قريش وأمثالهم حتى رمى بهم جيوش القياصرة وجنود الأكاسرة وتابعه على ذلك عمر رضي الله عنه فكان من قوادهما في استخضاع تلك الجيوش الجرارة وتدويخ تلك الممالك العظيمة الشاسعة التي شيدت فيها صروح الإِسلام وذكر على منابرها اسم محمَّد عليه الصلاة والسلام منهم خالد بن الوليد وخالد بن سعيد وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وأخوه معاوية وعياض بن غنم وحبيب بن مسلمة الفهري وسعد بن أبي وقاص وأضرابهم من صناديد قريش ورؤسائها الذين ذللوا الصعاب وقطعوا من العقبات ولاقوا من الأهوال، ما لا يحلم بذكره إنسان، ولا يدانيهم فيه من مشاهير العالم مدان. كما سترى إن شاء الله. بلغ بعزيمة أبي بكر رضي الله عنه وعظيم رأيه بعد إذ رأى ما أصاب المسلمين من الغم أن آلى على نفسه أن لا يدع العرب يقر لهم قرار إلا والسيف آخذ برقابهم والإِسلام ضارب بينهم بجرانه. وبينما هو يطاول في الأمر انتظاراً لرجوع أسامة وجيشه أعجلته عبس وغطفان وأسد وطيىء، وكان بعضهم نازلاً بذي القصة وبعضهم بالأبرق فأرسلوا إليه وفداً يبذلون الصلاة ويمتعون الزكاة فردهم خائبين فرجعوا وأخبروا القوم بقلة المسلمين وضعفهم وقد غرتهم كثرتهم وأعماهم الجهل عن أن مع المسلمين قوة الإيمان واليقين وفيهم من الصناديد وليوث الحرب الشجعان مثل عمر وعلي وطلحة والزبير الذين لا يفل لهم حد ولا يدرك لهم جد خشي أبو بكر بعد مسير الوفد من البيات فجعل على أنصار المدينة علياً وطلحة والزبير وابن مسعود وأمرهم بملازمة المسجد خوف إغارة من العدو فما لبثوا ثلاثاً حتى طرق العدو المدينة غارة ليلاً وخلفوا بعضهم بذي حسى ليكونوا لهم ردءاً. فوافوا ليلاً الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم وأرسلوا إلى أبي بكر فخرج بالمسلمين على النواضح فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسى فخرج عليهم أهل الردة بانحاء قد نفخوها وفيها الحبال ثم دهوها على الأرض فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع أحد منهم ثم خرج أبو بكر ليلاً على تعبئة فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا