كانت الحالة الاجتماعية على عهد عمر غيرها على عهد أبي بكر رضي الله عنهما إذ توطد على عهد الثاني للمسلمين الملك وشيدت دعائم الدولة وصارت تلك الأمة العربية المشهورة بالانقسام والتفرق والجهل بأمور الدولة والانغماس في الجهالة وسذاجة الفطرة سائسة ملك وربة سطوة ومجد ومقننة قانون وصاحبة دين جعلها أمة تذكر في التاريخ بأنها أعظم الأمم وكانت تلك الحياة العربية والجامعة الملية مع أنها بادية الظهور تنمو بسرعة وتؤذن بانقلاب عظيم يحدث في أنحاء العالم وتهتز له أركان الدول العظمى يومئذ حيث اندفعت هذه الأمة بقوة الجامعة الإِسلامية والاتحاد القومي على أطراف الممالك المجاورة لها وهي فارس والروم على نحو ما تقدم ذكره.
ثم خالط العرب تلك الأمم ودال إليهم ذلك الملك العريض ورأوا أبهة الحضارة واستشعروا بلزوم الحالة المدنية للأمم الغالبة وليس لديهم من ذلك إلا الاستعداد الفطري لقبول الخير والشر والشرع الإلهي الذي دعاهم إلى الخروج من ظلمات البداوة فأخذوا بحكم الضرورة يقلدون مجاوريهم في العادات وبدأوا يبارزونهم في مضمار الحياة وكان مطمح نظرهم وأول عملهم بالطبع تقليد مجاوريهم في الأمور الحربية واستعمال آلات القتال الفارسية والرومية ليقابلوا القوة بمثلها ويعدوا لهذه الفتوح عدتها ثم تطرقوا من ذلك إلى الأمور السياسية والإدارية فوضع الخليفة التاريخ ودوّن الدواوين ثم أقبل على ترتيب الولايات وتقسيم الأعمال وانتقاء العمال ثم فرض الأعطيات وقرر مصروف الفيء في غير سرف ولا تقتير ونشر جناح الأمن وأقام ميزان العدل وقرر أصول الجباية بلا إجحاف في حقوق الرعية ولا غبن للدولة فعمّ الرخاء وبدت مظاهر العمران تتجلى في أنحاء المملكة وانهال الغنى والثروة على الفاتحين وخطوا خطى خفيفة إلى ميدان الراحة والنعيم مع الأخذ على الشكائم والتخوشن في المأكل والملبس والتوسط في العيش والقصد في الإنفاق والإمساك عن البذل خوف الأخذ على أيديهم من عمر رضي الله عنه كما أخذ على يد خالد بن الوليد إذ وصل بعشرة آلاف من الدراهم شريفاً من أشراف العرب هذا من وجه ومن وجه آخر فإن عمر رضي الله عنه لم يدع للعرب بعد إذ دفع بهم في غمار الحضارة وقذف بهم في مضمار الحروب وقتاً للإخلاد إلى الراحة والإيواء إلى ظل التنعم والسكون تحت كنف الأمصار بل شغلهم عن ذلك بالفتح وألهاهم بادخار الغنائم عن التمتع بها ريثما يأمن غائلة الأمم المغلوبة وله بهذا مآرب أخرى وهي