والزجر على معاصي وجنايات لم ينص الشارع فيها على حد معين بل فوّض الأمر في ذلك لرأي الإِمام فليس ذلك من المحادة لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في شيء بل فيه استيفاء حق الله تعالى على أتم وجه لما فيه من الزجر على المعاصي وهو أمر مهم للشارع عليه الصلاة والسلام ويرشد إليه ما في تحفة المحتاج للإمام أن يستوفي التعزير إذا عفا صاحب الحق لأن الساقط بالعفو هو حق الآدمي والذي يستوفيه الإِمام هو حق الله تعالى للمصلحة وفي كتاب الخراج لأبي يوسف إشارة إلى ذلك أيضاً ولا يعكر على ذلك ونحوه قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لأن المراد كماله من حيث تضمنه ما يدل على حكمة الله تعالى خصوصاً أو عموماً ويرشد لهذا عدم النكير على أحد من المجتهدين إذا قال بشيء لم يكن منصوصاً عليه بخصوصه ومن ذلك ما ثبت بالقياس بأقسامه نعم القانون الذي يكون وراء ذلك فإن كان مصادماً لما نطقت به الشريعة الغراء زائغاً عن سنن المحجة البيضاء فيه ما فيه كما لا يخفى على العارف النبيه والآية نزلت في كفار قريش اهـ.
[صلة بها أن القرآن هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين سائر الكلام]
اعلم أن في آي القرآن العبرة لمن اعتبر، والذكرى لمن اذكر، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. في تفسير الإِمام المفسر المجتهد أبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري عند تفسير الفاتحة ما نصه:
مسألة يسأل عنها أهل الإلحاد الطاعنون في القرآن إن سألنا منهم سائل فقال إنك قد قدمت في أول كتابك هذا في وصف البيان بأن أعلاه درجة وأشرفه مرتبة أبلغه في الإبانة عن حاجة المبين به عن نفسه وأبينه عن مراد قائله وأقربه من فهم سامعه. وقلت مع ذلك أن أولى البيان بأن يكون كذلك كلام الله جلّ ثناؤه بفضله على سائر الكلام وبارتفاع درجته على أعلى درجات البيان. فما الوجه إذ كان الأمر على ما وصفت في إطالة الكلام بمثل سورة أم القرآن بسبع آيات وقد حوت معاني جميعها منها آيتان وذلك قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إذ كان لا شك أن من عرف {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} فقد عرفه