للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يمت - صلى الله عليه وسلم - حتى كمل الدين بشهادة الله تعالى حيث قال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} والمراد بالكمال بحسب ما يحتاج إليه من القواعد الكلية التي يجري عليها ما لا نهاية له من النوازل والجزئيات انتهى.

وفي أوائل بداية المجتهد أن الطرق التي تلقيت منها الأحكام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنس ثلاثة إما لفظ وإما فعل وإما إقرار. وأما ما سكت عنه الشارع من الأحكام فقال الجمهور إن طريق الوقوف عليه هو القياس. وقال أهل الظاهر: القياس في الشرع باطل وما سكت عنه الشارع فلا حكم له، ودليل العقل يشهد بقبوله وذلك أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية والنصوص والأفعال والإقرارات متناهية ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى اهـ. وزبدة القول إن القانون الإِسلامي هو القرآن العظيم وسنة نبيه الكريم. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ثم استنباط المجتهدين من الكتاب والسنة، وقد اعتنى المجتهدون بحفظ مقاصد الشريعة في الخلق لأنها جاءت لإخراج المكلف عن داعية هواه في جميع الأحوال من عبادة ومعاملة حتى في الملك الذي هو ضروري للاجتماع الإنساني فأجرته على قانون مستقيم ومنهاج من الدين قويم في شروط صاحبه، وما يجب عليه من العدل والدين والأمانة واتباع المصلحة وغير ذلك مما هو مقرر في كتب الدين ومن له مساس بالفقه لا يخفى عليه أن أحكام الشرع تدور مع المصالح والمفاسد وتختلف باختلاف الأحوال والأزمان. قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. في روح المعاني عند قوله عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٥] أي يعادونهما ويشاققونهما. قال ناصر الدين البيضاوي: ولضعون أو يختارون حدوداً غير حدود الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقال شيخ الإِسلام سعد الله جلبي: وعلى هذا ففيه وعيد عظيم للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا أموراً خلاف ما حده الشرع وسموها القانون. قال شهاب الدين الخفاجي بعد نقله ما ذكر وقد صنف العارف بالله الشيخ بهاء الدين رسالة في كفر من يقول يعمل بالقانون والشرع إذا قابل بينهما وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وقد وصل الدين إلى رتبة من الكمال لا يقبل التكميل وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ولكن أين مَن يعقل انتهى. وليتني رأيت هاته الرسالة ووقفت على ما فيها فإن إطلاق القول بالكفر مشكل عندي فتأمل، ثم إنه لا شبهة في أنه لا بأس بالقوانين السياسية إذا وقعت باتفاق ذوي الآراء من أهل الحل والعقد على وجه يحسن بها الانتظام ويصلح أمر الخاص والعام ومنها تعيين مراتب التأديب

<<  <  ج: ص:  >  >>