رجل ولا يد إنما كان غرضهم التولية والعزل من أقاصي البلاد منهم في الأندلس والصين والسند وخراسان وأرمينية واليمن والشام والعراق والمغرب وغيرها من بلاد الدنيا وانتقل الأمر إلى بني العباس فكانت دولتهم أعجمية سقطت فيها دواوين العرب وغلب عجم خراسان على الأمور وعاد الأمر ملكاً عضوضاً كسراوياً إلا أنهم لم يعلنوا بسب أحد من الصحابة رضوان الله عليهم وافترقت في دولة بني العباس كلمة المسلمين فتغلب على البلاد طوائف من الخوارج وغيرها. اهـ.
واعلم أن البلاد الإِسلامية كانت تدار بمعرفة أمراء يختارهم خلفاؤهم وهم نواب عنه وكانت منقسمة إلى إمارات كبرى منها مصر وإفريقية والأندلس وهاته تارة تضم إلى إفريقية وكان الأمير يقوم مقام الخليفة أحياناً يقيم الصلاة بنفسه ويقود الجنود ويختار من رجاله قائداً للجيش ويعين جابياً لَلخراج يصرف منه حاجات الإمارة وأعطيات الجنود ويرسل ما بقي للخليفة ويعين مَن شاء للقضاء بين الناس وتارة يقصرون الولاة على الصلاة والحرب والقضاء ويعين الخليفة عاملاً على الخراج يرجع إليه رأساً والأمراء الذين كانت لهم النيابة العامة كانوا متمتعين بما يسمى في هذا الوقت بالاستقلال الإداري، والذي دعا إلى تمتع هؤلاء الأمراء بهذا الاستقلال هو صعوبة المواصلات بين حاضرة الخلافة وبين حواضر الولايات فلو ألزم الأمير أن يستشير في كل ما يقع في دائرته لطال عليهم وبقيت المشاكل من غير حل زمناً طويلاً وهذا يدعو إلى الاضطراب الكثير.
[خلاصة فيما حصل مدة الدولة الأموية]
اعلم أن عصرها كله زمن فتوحات ممتدة فاتسعت حدود المملكة شرقاً وشمالاً وغرباً وكان عصرها مع هذا زمن حروب داخلية مستمرة إلا في مدة الوليد بن عبد الملك مؤسس الجامع الأموي بدمشق فإنها كانت غرة في جبين الدولة، وكانت همة الدولة تقوية الجيوش البرية والبحرية فقد كان لهم أسطول قوي في البحر المتوسط يحمل البلاد الإِسلامية من غارات الروم المتواصلة ويغير على بلادهم ولم تكن أمراء البحر في الدولة تقل مهارة وإقداماً على أمراء البحر الروميين فهي دولة حربية ظهرت بمظهر القوة القاهرة أمام الدول التي تجاورها من الشرق والشمال والغرب في جميع أدوارها وكانت السيادة في الجنود للعنصر العربي لأن الدولة كانت عربية محضة لم ينازعها دخيل وامتاز أفراد كثيرون بقيادة الجيوش إلى حومة الوغى واشتهرت بالثبات ومضاء العزيمة وحسن التدبير في الحرب، من أولئك الأمراء العظام: عبد الله بن سعد بن أبي سرح وعقبة بن نافع والمهلب بن أبي صفرة