له: أنصحك أن من قتل عالماً آيس من الحياة وفعل بغيره مثل ذلك وقد نزع الله من قلبه الرحمة يؤتى إليه بالرجل فيقوم إليه بنفسه ويجذبه ويقطع أعضاءه ويشق بطنه ويدخل يده لإخراج أمعائه وكبده وكان له سيف يسمى البالة فلا يكاد يخليه يوماً من إراقة دم وإذا لم يقتل أحدًا يقول إن البلة جاعت فيقتل من يعرض له، وله حروب مع الجزائريين كانت الدائرة فيها عليه "وعلى الباغي تدور الدوائر" ولم يستقم له حال إلى أن أفتك به إبراهيم الشريف بمواطأة من أمراء الجند وذلك في محرم سنة ١١١٣ هـ وأرسل من قتل بقية آل مراد وكانت مدته ثلاثة أعوام وأربعة أشهر وانقرضت بانقراضه دولة آل مراد وكانت مدتها ألف شهر.
تنبيه: اعلم أن الخلق عيال الله ومتى استعمل على الرعية الأراذل والسفهاء وأهل البطالة والإعلان بالشهوات كان ذلك داعياً إلى فساد نياتهم وضعف ديانتهم وانهماكهم في شهواتهم. في سراج الملوك: أقوى الأسباب في إصلاحهم أن يستعمل عليهم الخاصة منهم وذوي الأحكام الراجحة والمروءات القائمة والأذيال الطاهرة فمتى كانت رياسة العامة بيد سراتهم حصلت سعادتهم:
لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وفيه: إن أدعى خصال السلطان إلى صلاح الرعية وأقواها أثراً في تمسكهم بأديانهم وحفظهم لمروآتهم إصلاح السلطان نفسه وتنزهه عن سفاسف الأخلاق وبُعده عن مواضع الريب وترفيع نفسه عن استصحاب أهل البطالة والمجون واللعب واللهو والإعلان بالفسوق.
إذا غدا ملك باللهو مشتغلا ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا وهو برج اللهو والطرب
[رجوع وانعطاف]
لما أفتك إبراهيم الشريف بمراد بايعه رؤساء الأجناد وقدم الحاضرة وتم له لأمر وجاءه تقليد منصب الباشا وكان كاهيته المولى حسين بن علي تركي وله حروب مع الجزائريين وغيرهم وأخيراً هزموه وأسروه فكانت ولايته ثلاثة أعوام وشهرين وكانت سيرته أولاً حسنة ثم طفق في ظلم الرعية فذبح أبناءهم ونساءهم واستصفى أموالهم وكاد أن يستأصل العرب وإبلهم وخيلهم لشدة بغضه لهم ولظلمه لم تطل مدته ولو دامت لأهلك الحرث والنسل، ومعلوم أن الظلم إذا دام دمر والعدل إذا دام عمر. قال أبو العتاهية: