بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى وأن من كان لله مطيعاً فلا شك أنه لسبيل من أنعم الله عليه في دينه متبع، وعن سبيل من غضب عليه وضلّ معتدل. فما في زيادة الآيات الخمس الباقية من الحكمة التي لم تحوها الآيتان اللتان ذكرنا. قيل له إن الله تعالى جمع لنبينا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ولأمته بما أنزل إليه من كتابه معاني لم يجمعهن بكتاب أنزله إلى نبي قبله ولا لأمة من الأمم قبلهم وذلك أن كل كتاب أنزله جلّ ذكره على نبي من أنبيائه قبله فإنما أنزله ببعض المعاني التي يحوي جميعها كتابه الذي أنزله إلى نبينا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كالتوراة التي هي مواعظ وتفصيل والزبور الذي هو تحميد وتمجيد والإنجيل الذي هو مواعظ وتذكير لا معجزة في واحد منها تشهد لمن أنزل إليه بالتصديق والكتاب الذي أنزل على نبينا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يحوي معاني ذلك كله ويزيد عليه كثيراً من المعاني التي سائر الكتب غيره منها خال وقد قدمنا ذكرها فيما مضى من هذا الكتاب. ومن أشرف تلك المعاني التي فضّل بها كتابنا سائر الكتب قبله نظمه العجيب ووصفه الغريب وتأليفه البديع الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الخطباء، وكلّت عن وصف شكل بعضه البلغاء، وتحيرت في تأليفه الشعراء، وتبلدت قصوراً عن أن تأتي بمثله لديه أفهام الفهماء. فلم يجدوا له إلا التسليم والإقرار بأنه من عند الواحد القهار مع ما يحوي مع ذلك من المعاني التي هي ترغيب وترهيب وأمر وزجر وقصص وجدل ومثل وما أشبه ذلك من المعاني التي لم تجتمع في كتاب أنزل إلى الأرض من السماء فمهما يكن فيه من إطالة على نحو ما في أم القرآن فلما وصفت قبل من أن الله جلّ ذكره أراد أن يجمع بوصفه العجيب ونظمه الغريب المنعدل على أوزان الأشعار وسجع الكهان وخطب الخطباء ورسائل البلغاء العاجز عن وصف مثله جميع الأنام وعن نظم نظيره كل العباد الدلالة على نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما فيه من تحميد وتمجيد ثناء عليه تنبيه للعبادعلى عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مملكته ليذكروه بآلائه ويحمدوه على نعمائه فيستحقوا به منه المزيد ويستوجبوا عليه الثواب الجزيل وبما فيه من نعت من أنعم عليه بمعرفته وتفضل عليه بتوفيقه لطاعته تعريف عباده أن كل ما بهم من نعمة في دينهم ودنياهم فمنه ليصرفوا رغبتهم إليه ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والانداد وبما فيه من ذكره ما حل بمن عصاه من مثلاته وأنزل بمن خالف أمره من عقوباته ترهيب عباده من ركوب معاصيه والتعرض لما لا قبل لهم به من سخطه فيسلك بهم في النكال والنقمات سبيل من ركب ذلك من الهلاك فذلك وجه إطالة البيان في سورة أم القرآن وفيما كان نظيراً لها من سائر سور القرآن وذلك هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة. انتهى.