آخرهم تميم بن المعز فانتهبتها الأعراب وخربتها وكانت منذ الفتح إلى أن خربت دار العلم بالمغرب إليها ينسب أكابر علمائه وإليها كانت رحلة أهله في طلب العلم وقد ألف الناس في أخبار القيروان ومناقبه. وذكر علمائه ومن كان به من الزهاد والصالحين والفضلاء المتبتلين كتباً مشهورة ككتاب أبي محمَّد بن عبيد وكتاب ابن زيادة الله الطبني فلما استولى عليها الخراب تفرق أهلها في كل ناحية كمصر وصقلية والأندلس ومنهم طائفة عظيمة قصدت المغرب ونزلوا مدينة فاس اهـ باختصار. وفيه كانت العمارة متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مدينة القيروان تمشي فيها القوافل ليلاً ونهاراً وكان فيما بين الإسكندرية وطرابلس الغرب حصون متقاربة جداً فإذا ظهر في البحر عدو نوّر كل حصن للحصن الذي يليه واتصل التنوير فينتهي خبر العدو من طرابلس إلى الإسكندرية والعكس في ثلاث ساعات أو أربع من الليل فيأخذ الناس أهبتهم ويحذرون عدوهم ولم يزل هذا معروفاً إلى أن خربت الأعراب تلك الحصون ونفت عنها أهلها أيام خلى بنو عبيد بينهم وبين الطريق للمغرب وذلك في حدود سنة ٤٤٠ هـ حين تغير ما بينهم وبين المعز الصنهاجي وقطع الدعاء لهم على المنابر ودعا لبني العباس. اهـ. معجب والحاصل أن مقدار ما وصلت إليه القيروان في أوائل ملوك بني زيري ومن قبلهم فوق ما يذكر من الحضارة والتمدن والبهجة والعمران والاستبحار في العلوم والصنائع والتجارة والفلاحة وكثرة الأدباء والشعراء والأطباء والمهندسين فما بالك بغيرهم من الفقهاء والمحدثين من علماء الدين ثم كانت على القيروان الطامة الكبرى التي صيرتها خراباً بهؤلاء الأعراب وانحدرت في تيار الانحطاط السريع وانتقل كرسي ملكها البديع إلى المهدية وتقلص ظل الدولة الصنهاجية المؤذن بالفناء والملك لله الواحد القهار الذي لا يزول ملكه ولا يفنى وصارت مرسح الفتن ومسرح الإحن خالية عن السكان فضلاً على العلماء وآخر علمائها على هذا العهد السيوري والتونسي. ولهاته الأسباب خرج غالب مَن في البلد ومنهم المعز ونجا بنفسه للمهدية بعد مشاق وعاملها يومئذ ابنه تميم فتلقاه بالمبرة والتكريم وبقي بها إلى أن توفي سنة ٤٥٤ هـ ودفن برباط المنستير وفي معالم الإيمان لم يبق بالقيروان بعد المائة الخامسة من له اعتناء بالتاريخ وغيره لتخريبها على يد المفسدين الأعراب وبقيت على ذلك إلى ظهور دولة الموحدين انتهى. قلت: ورغماً عما حل بها من النوائب فلم يزل بها من المشاهد والمعالم الإِسلامية الخالدة إلى هذا العهد مما لا يوجد بغيرها من بقية مدن إفريقية كجامع سيدنا عقبة العتيق ومنبره البديع الشكل والصنع الوثيق وهذه المعاهد أكسبت شهرة مطبقة بالعالم الأروباوي وبعد الصيت وجميل الذكر في العالم الإِسلامي ولم تجد شيئاً يبقى خالداً إلا الذكر حسناً كان أو قبيحاً.