الأمر إذا أجل النظر فيه ربما صعب حله، فقام إلى أبي بكر وقال: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه وبايعه عمر وسائر الناس.
في البخاري عن إسماعيل بن عبد الله مرفوعاً إلى عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وأبو بكر بالسنح - قال إسماعيل: تعني بالعالية- فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبّله، فقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والله الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)} قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أنني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال الذي كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: ألا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب داراً وأعرفهم أحساباً، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتله الله".
البيعة هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه سلم له النظر في أمر نفسه وفي أمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره. في صحيح مسلم "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أن لا أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".