الثالث: إن الجماعة هي الصحابة على الخصوص فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلاً وقد يمكن فيمن سواهم. ألم تر قوله عليه السلام:"ولا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله" وقوله. "ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" فقد أخبر عليه السلام أن من الأزمان زماناً يجتمعون فيه على ضلالة وكفر قالوا: وممن قال بهذا عمر بن عبد العزيز فروى ابن وهب عن مالك قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: سنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر من بعده سنناً لأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها من اهتدى بها مهتد ومن انتصر بها منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. قال مالك: فأعجبني عزم عمر. فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه السلام:"ما أنا عليه وأصحابي" فكأنه راجع لما قالوه وما سنوه وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق وبشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك خصوصاً في قوله:"فعلكيم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" وأشباهه أو لأنهم المتلقون لكلام النبوة المهتدون للشريعة الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال بخلاف غيرهم فإذا كل ما سنوه فهو سنة من غير نظر فيه بخلاف غيرهم فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالاً للنظر رداً وقبولاً فأهل البدع إذاً غير داخلين في الجماعة قطعاً على هذا القول.
الرابع: إن الجماعة هي جماعة الإِسلام إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه السلام أن لا يجمعهم على ضلالة فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرف الصواب فيما اختلفوا فيه. قال الشافعي: الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله ولا عن سنّة ولا قياس وإنما تكون الغفلة في الفرقة وهذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه أو يرجع للقول الأول وهو الأظهر وفيه من المعنى ما في الأول من أنه لا بد