المقلصون المجاورون لقرطبة يأتون يوم الجمعة للصلاة مع الخليفة بقرطبة ويسلمون عليه ويخبرونه بأحوال بلدهم ويجعلون في مساجدهم نواباً يصلون بالناس الجمعة. وقال: الأندلس ينقسم إلى مشرق ومغرب ومتوسطة وكل واحد من الأقسام الثلاثة مشتمل على مدائن عظيمة كل مدينة منها مملكة مستقلة مشتملة على أعمال وقرى ومزارع وبساتين وأقطار واسعة وخلائق لا يحصون في غاية التنعم والرفاهية. فمن المتوسطة قرطبة وطليطلة وجيان وقسطلة وغرناطة والمرية ومالقة وغير ذلك مما يطول ذكره، ومن شرق الأندلس مرسية وبلنسية وشاطبة ودانية والسهلة والثغر الأعلى وسرقسطة وغير ذلك مما يطول ذكره، ومن غريب الأندلس إشبيلية وماردة وأشبونة وشلب وشريش ولبلة والخضراء وبطليوس وغير ذلك مما يطول ذكره. ولما ضعف أمر الخلافة وافترق أمر الأندلس وكثر الخلاف بينهم وانتشرت الفتن صارت الممالك بيد ملوك كثيرة - يسمون ملوك الطوائف- لكل مملكة ملك مستقل ينفذ أمره ونهيه فيما كان تحت يده وهم مختلفون في اتساع ممالكهم وعدم اتساعها وكان ابتداء تفرق الممالك من سنة ٤٠٧هـ وصار يقاتل بعضهم بعضاً فيتغلب بعضهم على بعض وكان عدد أولئك الملوك خمسة عشر لا حاجة لذكر أسمائهم وأعظم تلك الممالك قرطبة بيد المعتضد بن عباد المتوفى سنة ٤٦١ هـ وصارت وراثة في بنيه. انتهى محل الحاجة باختصار. وغرناطة التي انحاز المسلمون لها بعد تغلب العدو على غالب الأندلس صارت كرسي المملكة مأوى المسلمين المتشتتين لكثرة خيراتها الجاذبة وكثرة المهاجرين لها حين أخذ الملك جاك يطرد المسلمين مما استولى عليه، وقد أحسن ملوك غرناطة الترتيب السياسي فرتبوا في كل بلدة خفراء منها وأعطوا جميع سكانها سلاحاً يستعملونه حالة هجوم العدو عليهم فرفعوه مرات على ملوكهم الممتنعين من أداء واجباتهم الملوكية أو الذين لا يعبأون بمشاورة الأمة وجعلوا للعساكر المحافظين بالثغور إقطاعات من الأرض تكفيهم وعائلتهم لتبعثهم على الوقاية من الأعداء ورتبوا في غرناطة التي دائرتها أكثر من ثلاثة فراسخ ضبطي في كل ثمن منها ضابطاً ورتبوا عساكر تدور ليلاً وعملوا قوانين لزمن إغلاق المحال العامة كالأسواق وخصصوا كل حرفة بطائفة ومنعوا شرب الخمر والربا وابتكروا في كتابة الحجج والصكوك طرائق واضحة تمنع المنازعة وشغلوا العلماء بتأليف رسائل في الصنائع العملية وانقاد الأئمة والفقهاء لقوانينهم النظامية وأحدثوا لتادية العبادية قوانين تنبئ عن كمال إيمانهم وعلو أفكارهم وشرف التأديب والتهذيب الديني، منها انعزال النساء عن الرجال في المساجد وإكثار الطاعة في رمضان وتوزيع الزكاة والصدقات على الفقراء أو إبقاؤها لتنفق في عمارات عامة وغير ذلك، وبما سلف