واتصل القتال نحو الأربعة أشهر وضاق الخناق ثم تدارك الله سبحانه وتعالى أهالي المملكة بهلاك هذا الملك بالطاعون وعرضوا على أبي عبد الله المنتصر الصلح فصالحهم بما غرموه في حركتهم وكانم بلغاً جسيماً على يد القاضي ابن زيتون المذكور وانعقد بإنشائه وخرج الفرنسيس من قرطاجنة لبلاده وهنأ هذا الأمير بهذا النصر الذي لم يكن في الحساب.
قلت: وفي هذا العهد بقرطاجنة كنيسة ضخمة تعرف بسان لويس بها جماعة من الرهبان وبها دير مملوء بالآثار العتيقة العجيبة والتحف المستظرفة الغريبة التي هي في الحقيقة كنز من الكنوز المدخرة، ولم يزل هذا الأمير على حاله من علو الكتب وبعد الصيت واتساع السلطان واتخاد المصانع الباقية آثارها إلى هذا العهد وتوفي عالي الكتب آمن السرب سنة ٦٧٥ هـ كان يقول ما يسألني الله عن أمور الأمة بعد أن قدمت عليهم للقضاء أبا عبد الله محمَّد الخباز. وقد أفرد ولي الدين بن خلدون فصلاً في أخباره يكتب بماء العيون ولا يتعلق بأذياله الطامعون وبويع لابنه يحيى ولقب بالواثق، فرفع المظالم وأفاض العطايا ثم فسدت بطانته من استبداد وزيره ابن الغافقي وسوء سيرته وبلغ ذلك عمه أبا إسحاق فسار من الأندلس وأخذ بجاية وبايعه الموحدون ووقع خلع الواثق ثم قتل سنة ٦٧٩ هـ وكان دخول أبي إسحاق لتونس في ربيع الثاني سنة ٦٧٨ هـ وتمت له البيعة ثم قام عليه أحمد بن مرزوق المسيلي البجائي وزعم أنه المهدي واستولى على طرابلس وغالب بلاد إفريقية وأخيراً استولى على تونس ثم قصد بجاية وغيرها وظفر في وجهته هاته بأبي إسحاق، وقتله في أخبار طوال وذلك سنة ٦٨٢ هـ ولما ساءت سيرة هذا الدعي بايع العرب أخاه أبا حفص عمر وهو إذ ذاك بقلعة سنان ولما بلغ ذلك الدعي خرج لقتاله واتصلت بينهما الحرب ثم لما انحلت عصبيته اختفى وكان كذاباً سفاكاً للدماء ظلوماً لم يأت يحسنه إلا أحداث جامع الخطبة خارج باب بحر من تونس. ولما اختفى دخل أبو حفص تونس وطهر سرير ملكه من هذا الدعي الخبيث ثم وقع العثور عليه ومثل به وطيف بشلوه سنة ٦٨٣ هـ وحصل الاطمئنان واستقام أمر السلطان وبادر الناس بطاعته من طرابلس إلى تلمسان ولقب بالمنتصر بالله ثم خرج عليه أبو زكرياء بن أبي إسحاق المذكور وانضمت إليه الأعراب وأطاعته بجاية والجزائر وبسكرة والثغور الغربية وانقسمت الدولة لدولتين وفي أيامه استولى صاحب صقلية على جربة وعهد بالولاية لأبي عصيدة محمَّد بن الواثق بإشارة من معتقده الولي الصالح أبي محمَّد المرجاني وتوفي في ذي الحجة سنة ٦٩٤هـ وكان ملكاً عاقلاً كريماً فاضلاً لم تحدث منه عقوبة لأحد يعظم العلماء والصلحاء ويبرهم وكانت أيامه أيام عدل وهناء وأمن وسرور.