١٧٣٨ - وأما فرع مصر فإن المذهب انتشر فيه انتشاراً قوياً ثم انقطع نحو القرنين انقطاعاً كلياً ثم تراجع وذاع أتم ذيعان واستمر على ذلك حتى الآن في حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة عند ذكر من كان بمصر من أئمة الحنابلة ما نصه أن مذهب الإِمام لم يبرز خارج العراق إلا في القرن الرابع وفي هذا القرن ملك العبيديون مصر وأفنوا من كان بها من أئمة المذاهب الثلاثة قتلاً ونفياً وتشريداً وأقاموا مذهب الرفض والشيعة إلى أواخر القرن السادس فتراجعت إليها الأئمة من سائر المذاهب اهـ.
١٧٣٩ - وأما فرع إفريقية فإن المذهب استفاض فيه أمداً ثم ضعف مُدداً ثم تراجع إلى انتشاره واستفاضته ولم يزل حتى اليوم على حالته في جذوة الاقتباس كان الغالب على أهل المغرب مذهب الكوفيين إلى أن دخل ابن زياد التونسي وابن أشرس والبهلول بن راشد وأسد بن الفرات وغيرهم من الحفاظ لمذهب مالك فأخذه الكثير من الناس ولم يزل ينتشر إلى أن جاء سحنون ففض حلق المخالفين واستمر المذهب بعده في أصحابه فشاع في أقطار المغرب إلى وقتنا هذا اهـ وانتشر أيضاً العلم بإفريقية واستبحر خصوصاً بالقيروان واستمر على ذلك مدة مديدة وسنين عديدة ثم ضعف ضعفاً بيناً أواخر الدولة الصنهاجية ثم تراجع أوائل دولة بني أبي حفص ونما وانتشر ثم ضعف وكاد ينقطع أواخر هاته الدولة وأوائل دولة الترك ثم أخذ في التراجع والنمو شيئاً فشيئاً إلى هذا العهد وقال ولي الدين بن خلدون: سند تعلم العلم كاد ينقطع من المغرب بإخلال عمرانه وتناقص الدولة وما يحدث عن ذلك من نقص الصنائع وفقدانها وذلك أن القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستبحر عمرانهما وكان فيهما من العلوم والصنائع أسواق نافقة وبحور زاخرة ورسخ فيهما التعليم لامتداد عصورهما فلما خربتا انقطع التعليم بالمغرب. اهـ وفي مسامرات الظريف أنه بانتهاء المائة التاسعة انقطع الخبر وعمي الأثر وطوي بساط أخبار العلماء والفضلاء مما دهم إفريقية وخصوصاً الحاضرة أواسط المائة العاشرة بتقلص ظل الدولة الحفصية عنها وبلوغها سن الهرم مع ارتباك الأحوال وتراكم النوائب والأهوال. اهـ وفي تاريخ الشيخ حمودة بن عبد العزيز كاد العلم أواخر هاته الدولة وأوائل دولة الترك يرتفع منها بالمرة ثم تراجع شيئاً فشيئاً طبقة بعد طبقة كل طبقة هي أكثر عدداً من التي قبلها. اهـ.
١٧٤٠ - وأما فرع الأندلس فإن المذهب شبّ فيه وانتشر ودام على ذلك قروناً كثيرة واستمر ثم شاب وانقطع أواخر القرن التاسع واندثر. في جذوة الاقتباس كان رأيهم منذ فتحت على مذهب الأوزاعي إلى أن رحل زياد بن عبد الرحمن