شيعاً ينابذ بعضهم بعضاً وإلى توحيد الأفكار فلا يجادلون في الحق وإلى توحيد المقصد فلا يتخبطهم شيطان الأهواء وتفرقهم عن الحق نزغات النفوس وإلى توحيد اللغة فلا يتناكرون وبلسان واحد يتفاهمون.
دعا أولاً أهله وعشيرته ثم قومه ثم سائر العرب ثم عامة الناس بما كتب لملوكهم الذين ينتهي إليهم أمر الهمم بل الأمم وبهم تقوم الدعوة حتى قامت لله على الناس الحجة ولله الحجة البالغة على الناس أجمعين وأجاب دعوة نبيه من أجاب وأقبل عليها من أقبل وكان جلهم من العرب الذين لم يلبثوا أن تلقوا هذا الدين حتى ظهر أثره فيهم ظهوراً يبشر بمصير السيادة على الأمم إليهم لما أصبحوا عليه من الإخاء بعد التنافر والاجتماع بعد التفرق والتوحيد بعد الشرك والتنبه بعد الغفلة والإيمان بعد الكفر والتحابب بعد التناكر يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويجاهدون في الله وينصرون دينه ويقيمون حدوده ويواسون الفقير ويؤدون الحق ويرغبون في القناعة بالكفاف عما بأيدي الناس ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
على هذا الأساس قامت حياة المسلمين الاجتماعية وبتلك الأخلاق وصف الله أتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابه العزيز:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عمران: ١١٠]، وقال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[الفتح: ٢٩]، وقال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩] وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تمثل حالة المسلمين يومئذ تمثيلاً وتدل على مبلغ تأثير الإِسلام في نفوس تلك الأمة البدوية التي أخرجها القرآن من ظلمات الفوضى والجهل إلى نور العلم والاجتماع.