للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمداد حتى صار مجموعهم أربعة وعشرين ألفًا ساروا ولهم قوة العزيمة والصبر والاعتماد على الله في السر والجهر وعدم المبالاة بالحياة في سبيل إعلاء كلمة الدين ونصرة الإِسلام والتعفف عما بأيدي الناس وحماية المال والنفس وإطلاق الحرية في العوائد والدين وأضف إلى هذا ما يصاحب أولئك المجاهدين من حسن الرأي بمَن يصاحبهم من رجال الإِسلام وأقطاب السياسة والحرب يومئذ كعمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح ومعاوية ويزيد ابني أبي سفيان رضي الله عنهم ومن ورائهم مثل أبي بكر رضي الله عنه يمدهم بالرأي ويتابع النصائح وحسبهم من وصاياه وصيته ليزيد المذكور التي تعجز أقطاب السياسة وتنفع قادة الجيوش وساسة الأمم في كل عصر، أوصاه بها لما شايعه ماشياً كما أوصى سائر الأمراء، ونصها:

"إني قد وليتك لأبلوك وأجربك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي يرى من ظاهرك وإن أولى الناس بالله أشدهم تولياً له وأقرب الناس من الله أشدهم تقرباً إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد بن سعيد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسى بعضه بعضاً وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم واقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا تريثهم فيروا خللك ويعلموا عملك وأنزلهم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من يحادثهم وكن أنت المتولي لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك واسهر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عنك الأستار وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجآتهم في محارسهم بغير علم منهم بك فمَن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط واعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسر لهما لقربها من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعاً، ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده ولا تجسس عليهم فتفضحهم: ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتفِ بعلانيتهم، ولا تجالس العبّاثين وجالس أهل الصدق والوفاء وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>