للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعامل كيماوية لاستكشاف النباتات ومكثت تلك المدرسة على رونقها الباهر نحو مائتي سنة فكان للعباسيين في ذلك أسعد حظ واستخرجوا معادن الحديد ونسجوا الأقمشة في كثير من المدن واستخرجوا الغاز والنفط وطينة الأواني الصينية والملح الأندراني والكبريت وتقدموا في فنون النقش والعمارة والجبر والموسيقى والمنطق وظهر بين أولئك العلماء مؤلفات كثيرة بارعة في فنون شتى وأظهر دور الفنون الميكانيكية تقدمات يشهد بها ما بعثه لرشيد إلى شرلمانية ملك الفرنسيين من الساعة الكبيرة الدقاقة التي تعجب منها أهل ديوانه ولم يمكنهم معرفة كيفية تركيبها ومع ذلك لم يكن في عصر العباسية أهم من صناعة الفلاحة ولما حصلت التوسعة في الممالك مع غزارة المحصول وتنوع الأقطار توجه النظر إلى رواج التجارة تتميماً للتمدن وامتثالاً لأمر الشارع بالتكسب فاجتهدوا في أمن الطرق وحفر الآبار والصهاريج في محطات القوافل فانتشرت التجارة فكانت غلات الأندلس والبربر ومصر والحبشة والفرس والروس والهند والصين وغير ذلك من الممالك تأتي إلى مكة والمدينة والشام والعراق ويستبدلون البضائع الموجودة في جهة بالبضائع المفقودة بها وكان بينهم بسبب ذلك علائق تعارف وكذلك اتسعت بالسواحل الشمالية من إفريقية دائرة التجارة وكان بها معامل كثيرة وكانت القوافل التجارية تسافر من طرابلس إلى الأقيانوس الإطلنطيقي غير خاشية من سيرها في وسط الصحراء الكبرى اهـ. وفيه قد حفظ العرب مؤلفات اليونان واستعدوا لتجديد المعارف في أوروبا فكانوا رباطة بين هذين الزمنين وبذا يثبت فضل العرب على الفرنج الذين حاول بعضهم خفض فضائل العرب الواضحة كالشمس في رابعة النهار ويعلم أن لا موقع لافتخار المتأخرين من أهل أوروبا بتصورات أكثرها للعرب وسبق لك ما كان لعلماء المدرسة البغدادية من التحكم النافذ بالمشرق والمغرب اهـ.

وزبدة القول إن الحضارة اتسعت في عصر هؤلاء الخلفاء وتمت العلوم الدينية والصناعية والاقتصادية نمواً باهراً فهو عصر النهضة العلمية وتزكية العقول فقد أسس أبو جعفر المنصور مدينة بغداد وتعاون علي بنايتها العقل العربي والفارسي والرومي وتأنق في ذلك بوجه جعلتها تفوق جميع مدن العالم في ذلك العصر وحشر لها العلماء من جميع الأمصار والتجار والصناع وإذا أطللت على منتهى المملكة الإِسلامية من جهة الغرب وجدت مدينة قرطبة تستعد إلى مساماة بغداد وتجد في إفريقية مدينة القيروان التي ورثت عظمة المدن الإفريقية الرومانية وانتقل إليها جمالها وتجد مدينة الفسطاط حاضرة مصر وقد جمع مسجدها الأعظم حلقات العلماء الذين أبقوا أكبر الآثار في الاجتهاد والاستنباط والذين أظهروا للناس كافة فقه الأئمة

<<  <  ج: ص:  >  >>