ولما أنشدها بين يديه أشار إليه أن يقتصر على هذا البيت ولا يتم قراءة القصيدة وأمر له بألف دينار وقيل: لمَ لم تسمع تمام القصيدة؟ فقال: وما عساه أن يقول بعد هذا البيت، أي لا يأتي بأمدح منها وأخذ يجيزه كل يوم ألف دينار على قراءة هذا البيت إلى أن بلغت أربعين ألفاً وكان عبد المؤمن هذا عاقلاً حازماً سديد الرأي حسن السياسة كثير البذل للأموال إلا أنه كان سفاكاً للدماء على الذنب المغير وكان يعظم أمر الدين ويلزم الناس في كل بلاده بالصلاة وكان الغالب على مجلسه أهل العلم والدين وكانت له معرفة بالشعر والأدب، يحكى عنه أنه مر ببعض طرق مراكش ومعه وزيره أبو جعفر بن عطية فأطلت من شباك جارية بارعة الجمال فقال عبد المؤمن:
قدت فؤادي من الشباك إذ نظرت
فقال ابن عطية:
حوراء ترنو إلى العشاق بالمقل
فقال عبد المؤمن:
كأنما لحظها في قلب عاشقها
فقال ابن عطية:
سيف المؤيد عبد المؤمن بن علي
وتوفي عبد المؤمن سنة ٨٥٨ هـ وعمره ثمان وستون سنة ومدة ملكه ثلاث وثلاثون سنة وهو أول ملوك هاته الدولة ومدتها مع مهديهم مائة واثنان وخمسون سنة وكانت من أعظم الدول الإِسلامية وكانوا يدعون على المنابر إلى مهديهم محمَّد بن تومرت ويضربون اسمه على السكة ومن أصحاب ابن تومرت عمر بن يحيى الهنتاتي صار بعد المهدي من وزراء عبد المؤمن وأعطى بنو عبد المؤمن أولاد عمر المذكور ولاية تونس فكانوا يسمون بالحفصيين وسنقص عليك خبرهم وابن تومرت هذا مضى لنا ذكره في ترجمة أبي بكر بن العربي قال بعض العلماء أنه أراد بقيامه إظهار الحق فاجتهد وأخطأ وقال بعضهم إنه كان على الأمة شراً من الحجاج ويزيد وأخباره طويلة الذيل مذكورة في التواريخ أما الأمير حسن الصنهاجي المذكور فإنه أقام بالمهدية إلى أن توفي عبد المؤمن وتولى بعده ابنه يوسف المتوفى سنة ٥٨٠ هـ فاستقدم الحسن إلى المغرب ومات بالطريق وهو آخر ملوك صنهاجة وبه انقطعت كواكب سعودهم وأجلت عن منازلهم الشموس والأقمار والملك لله الواحد