للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالطب والفلسفة وقرض الشعر ابن رشد الحفيد وابن زهر وأنشأ الأمير يوسف بإشبيلية عمارات فاخرة وأوصل لها مياهاً غزيرة وبنى جامعاً صرف عليه مصاريف طائلة وأنشأ في جميع جهات المملكة مستشفيات وتكايا وحفر آباراً بالصحارى وخانات في الطرق للمسافرين وزاد في مرتبات القضاة والفقهاء للاستعانة وملوك الأندلس صارت عمالاً له ثم لما حصل ضعف لهاته الدولة اغتنم العدو الفرصة وصار يقطع كثيراً من المدائن والمعاقل والحصون ويستولي عليها حيث لم يوجد بالأندلس من الجيوش والرجال مَن يدافع العدو ويقاتله ثم في سنة ٦٢٦ هـ استولى على كورة ماردة وفي سنة ٦٢٧هـ على ميورقة وفي سنة ٦٢٩هـ على جزيرة شقرة وفي سنة ٦٣٦ هـ على قرطبة وعلى شرقي الأندلس شاطبة وغيرها سنة ٦٤٥ هـ وفي السنة قبلها على طرطوشة وما يتبعها من القلاع والحصون وفي السنة بعدها على إشبيلية وبيان الوقائع في أخذها يطول الكلام بذكره وذلك مشتمل على ما تتقرح له الأكباد وتنسجم له العيون ولما أخذت هذه المدائن انحاز المسلمون إلى قطعة من شرقي الأندلس وأول مَن قام بالأمر في هاته الجهة من بني الأحمر محمَّد بن نصر وكان أبوه نصر في دولة عبد المؤمن من أمراء الأجناد ومحمد بن نصر هذا يقال له محمَّد الشيخ وبويع له سنة ٦٢٩ هـ وخطب لأبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد الحفصي صاحب تونس ودخل مع ابن الأحمر في تلك البيعة أهل فيان وشريش والطاغية في ذلك الوقت محاصر بلنسية وذلك سنة ٦٣٦ هـ ثم أرسل ابن الأحمر جماعة من أعيان أهل الأندلس منهم ابن عصفور وحبر قضاعة ابن الأبار مستصرخين به يريدون منه النجدة في قتال العدو وعقد أبو زكرياء لتلك البيعة يوماً مشهوداً وأنشد حبر قضاعة المذكور القصيدة المشهورة التي أولها:

انجد بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا

وهب لها من عزيز النصر ما التمست ... فلم يزل منك عز النصر ملتمسا

وهي طويلة بليغة مذكورة في نفح الطيب فأجاب أبو زكرياء بيعتهم ولبى دعوتهم وجهز لهم أساطيل فيها المال والرجال فلما وصلوا الأندلس وجدوا العدو ملك بلنسية ثم مرسية وهاته الطامة الكبرى والمصيبة العظمى على الأندلس كانت عقب واقعة العقاب الواقعة سنة ٦٠٩ هـ ثم واقعة أنجية التي استشهد فيها شيخ الجماعة وخاتمة المحدثين مؤلف السيرة أبو الربيع الكلاعي وصارت بعد هذه الهزائم والنوائب إلى الانقسام والتنافس مع كثرة الفتن والاضطراب وانحاز المسلمون لغرناطة وجنوب الجزيرة وهاجر الكثير من الفضلاء والعلماء إلى فاس

<<  <  ج: ص:  >  >>