للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٢٧٦] وفيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ رحمه الله إجازة، حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد ابن الحسن الكارزي، حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي، قال سمعت أبا الفضل العباس بن الفرج الرياشي يقول سمعت عبد الملك بن قريب الأصمعي يقول: أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه، وبيده قوس، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ فقلت: من بني الأصمع. فقال لي: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى كلام الرحمن فيه قال: أوَ للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ فقلت: نعم يا أعرابي، فقال: اتل علي شيئًا منه، فقلت أنزل من قعودك، فنزل وابتدأت بسورة {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} حتى انتهيت إلى قوله تعالى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.

قال الأعرابي: هذا كلام الرحمن؟ قلت: إي والذي بعث محمدًا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. فقال لي حسبك. فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه، وقطعها بجلدها وقال أعني على تفرقتها، فوزعناها على من أقبل وأدبر، ثم كسر سيفه، وقوسه، وجعلها تحت الرملة، وولى مدبرًا نحو البادية، وهو يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} يرددها فلما تغيب عني في حيطان البصرة، أقبلت على نفسي ألومها، وقلت: يا أصمعي، قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة ومررت بهذه وأمثالها وأشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي، ولم يعلم أن للرحمن كلامًا. فلما قضى الله من أمري ما أحبّ، حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت رقيق تعال يا أصمعي، تعال يا أصمعي، قال: فالتفت فإذا أنا بالأعرابي منهوكًا مصفارًّا، فجاء وسلم عليّ، وأخذ بيدي وأجلسني وراء المقام، فقال اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه فابتدأت ثانيًا بسورة الذاريات فلما انتهيت


[١٢٧٦] أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي، لم أعرفه.
• أبو الفضل، العباس بن الفرج الرياشي، البصري، النحوي (م ٢٥٧ هـ). شيخ الأدب، العلامة، الحافظ، راوي الأصمعى.
سمع من طائفة كثيرة. وكان من بحور العلم، حافظ للشعر واللغة كثير الرواية عن الأصمعي. وهو من رجال التهذيب.
وراجع ترجمته في "مراتب النحويين" (٧٥ - ٧٦)، "نزهة الألباء" (١٩٩)، "طبقات النحوبن واللغوبين" (٩٧ - ٩٩)، "تاريخ بغداد" (١٢/ ١٣٨ - ١٤٠)، "نزهة الألباء" (٢٦٢ - ٢٦٤)، "إنباه الرواة" (٢/ ٣٦٧ - ٣٧٤)، "وفيات الأعيان" (٣/ ٢٧ - ٢٨)، "السير" (١٢/ ٣٧٢ - ٣٧٥)، "شذرات" (٢/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>