للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٤٣) الثالث والأربعون من شعب الإيمان "وهو باب في الحث على ترك الغلّ والحسد"

قال (١): والحسد: الاغتمام بالنعمة يراها لأخيه المسلم، والتمنّي لزوالها عنه، ثم قد يتمنّى مع هذا أن تكون تلك النعمة له دونه، والغلّ إضمار السوء، وإرادة الشر به من غير أن يكون مظلومًا من جهته، وقد أمر الله عزّ وجلّ نبيّه - صلى الله عليه وسلم - أن يعوذ به من شرّ حاسد فقال: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (٢).

وذم اليهود على حسدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (٣).

فالحسد مذموم، والحاسد غير الغابط؛ لأنّ الحاسد من لا يحب الخير لغيره، ويتمنى زواله عنه والغابط من يتمنى أن يكون له من الخير مثل ما لغيره، والحاسد يعتد إحسان الله تعالى إلى أخيه المسلم إساءة إليه وهذا جهل منه؛ [لآن الإحسان الواقع بمكان أخيه لا يضره شيئًا فإن ما عند الله واسع] (٤)، وقد يكون الحاسد متسخطًا لقضاء الله، وذلك يدنيه من الكفر لولا أنه تأول فيقول: إنّما أكره الغم الذي بي فيما آتاه الله لا القضاء نفسه.

والذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (٥): "لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله علمًا فهو يعلّمه الناس، ورجل أتاه الله مالًا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار".

ويحتمل أن يكون المراد به الغبط فسماه حسدًا لأنه يقرب منه وإن لم يكن به.


(١) القائل هو الحليمي رحمه الله في كتاب "المنهاج" (٣/ ١٠٣ - ١٠٤).
(٢) سورة الفلق (١١٣/ ٥).
(٣) سورة النساء (٤/ ٥٤).
(٤) ما بين الحاصرتين سقط من "ن".
(٥) مرّ الحديث في هذا الكتاب بتخريجه وشرحه فراجع (رقم ١٨١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>