للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والدفاع عنها، والحرب ضد من تسول له نفسه النيل منها، أو الغض من شأنها. وكان في ذلك كله متدرعًا بسلاحٍ من التقوى والورع والتواضع وكسر النفس، مع نزاهة القصد، وخلوص النية، وسعة الاطلاع، وقوة الحفظ، ودقة الفهم.

كان أول سماعه للحديث في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وهو ابن خمس عشرة سنة (١) ورحل وطوف الآفاق في طلب العلم، فسافر إلى العراق والجبال والحجاز، وتجول في قراها ومدنها كنوقان وإسفرايين ونيسابور، والطابران، والدامغان، وبغداد، والكوفة، ومكة، وسمع من شيوخها، وأفاد واستفاد.

وبعدما حصل على بغيته، وسكنت نفسه المتعطشة إلى الطلب والحصول رجع إلى موطنه، وعكف فيه يبث ما كان جمعه من العلوم فأقبل على التأليف والتصنيف والبحث والتدريس بنفس مطمئنة راضية لا يقلقها طلب معاش، وفكر متجمع لا يشوشه فكرة مال ولا تجارة، ولا التقرب إلى ذي سلطان. وهذه ميزة يتعجب منها الإنسان حينما يرى أن العصر الذي عاشه كان يسوده قدر غير قليل من الفتن والقلاقل السياسية والدينية.

[عصره]

عاش البيهقي في فترة كانت من أشد الفترات اضطرابًا، وأكثرها فتنًا وقلاقل. كانت بلاد المسلمين كلها تموج بالفتن، وكان الوضع السياسي غير مستقر، فضعف الخلافة المركزية في بغداد أتاح لكل مغامر فرصة للوثوب على الحكم، واقتطاع جزء من الأرض لإقامة دولة جديدة. وهكذا كثرت الدويلات في طول البلاد وعرضها، ولم تكن العلاقات بينها تقوم على مودة وصفاء، وتفاهم وتعاون، بل كان يجري بينها حروب متواصلة مما قضى على الأمن والسلام، وأصبح الناس يعيشون في خوف دائم وقلق مستمر. وصار بلاط الأمراء والوزراء مسرح مؤامرات ومكيدات. ولم يكن يهم الإمام البيهقي ما كان يجري في الدوائر السياسية، ولكن كان عصره يموج بنوع


(١) "السير" (١٨/ ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>