للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده. من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديثا أولهم، يضحك مما يضحكون، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع عن أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.

قال قلت: كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر.

فأما تقديره: ففي تسويته (١) امنظر والاستماع من الناس.

وأما تفكيره- أو قال تفكره- ففيما يبقى ويفنى.

وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء، ولا يستفزه.

وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده في الرأي فيما هو أصلح لأمته، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة.

فصل "في بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - وفصاحته"

قال الحليمي (٢) رحمه الله: وهذا أشهر وأظهر من أن يحتاج إلى وصفه ولو لم يكن

على ذلك دلالة سوى أن الله نصبه منصب البيان لكتابه، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٣).

لكان كافيا، فإنه لو لم يكن أتاه البيان، ولم يرقه فيه إلى أعلى الدرجات، لما رضيه لتبيين كتابه، والكشف عن معاني خطابه، قال: وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن سحائب مرت وذكر الحديثا الذي.


(١) في النسختين "فالسوية".
(٢) راجع "المنهاج" (٢/ ٧٧).
(٣) سورة النحل (١٦/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>