للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا توبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحوطون -أو قال يحفظون- فيه الغريب.

قال قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟

قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح (١) يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه ولا يخيب (٢) فيه، قد ترك (٣) نفسه من ثلاث (المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث) (٤) كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته،


(١) في الدلائل "مزاح".
(٢) في الدلائل "يجب" وفي الطبقات "يجنب".
(٣) في النسختين "تذكير نفسه".
(٤) العبارة بين العلامتين ساقطة من النسختين.
"إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير" يريد أنهم يسكنون ولا يتحركون، ويغضون أبصارهم. والطير لا تسقط إلا على ساكن.
"فأرفدوه" أي أعينوه.
وفي "المعجم" للطبراني "فارشدوه" وفي "الطبقات" "فأردفوه".
"ولا يقبلُ الثناء إلا من مكافئ " يريد أنه كان إذا ابتدئ بمدح كره ذلك. وكان إذا اصطنع معروفا فاثنى به عليه مُثنٍ وشكره، قبلَ ثناءه.
وقال أبو بكر الأنباري: هذا غلط لأنه لا ينفك أحد من إنعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبسط الكلام فيه. وإنما المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة إسلامه فيكون مكافئا بثنائه عليه ما سلف من نعمة النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده وإحسانه إليه.
وقال الأزهري: معناه: إلا من مقارب في مدحه غير مجاوز به حد مثله، ولا مُقصر به عما رفعه الله إليه. ألا تراه يقول: "لا تُطْرُوني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله". فإذا قيل نبي الله ورسوله فقد وصف بما لا يجوز أن يوصف به أحد من أمته، فهو مدح مكافئ له.
قال البيهقي: وقد يخرج قول القتيبىِ صحيحا، فإنه كان يأتيه السلم والكافر، ويثني عليه البرُّ
والفاجر، فكان لا يقبله إلا ممن كان قد اصطنع إليه معروفا على الخصوص. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>