للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلح الكذب إلا في ثلاث الرجل يكذب لامرأته لترضى عنه، أو إصلاح بين الناس، أو يكذب في الحرب".

[فصل]

قال (١): وإذا كان إصلاح ذات البين مهما فسدوا واجبا، فمن البين أن ترك الإفساد بين الناس باحتساب النمائم، واتقاء الضريب والتحريش بينهم أوجب


= (فائدة) اختلف العلماء في مراد الكذب المباح فيها ما هو: فقال القاضي عياض: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم: ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم عليه السلام {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} و {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله: "إنها أختي" وقول منادي يوسف عليه السلام {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}. قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أَنه لا يعلم أين هو؟ وقال أخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلًا، قالوا: وما جاء من الإجابة في هذا: المراد به التورية واستعمال المعاريض، لا صريح الكذب، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا، وينوي: إن قدر الله ذلك، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا، ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك، وورى، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم. وينوي إمامهم في الأزمان الماضية أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه، وهذا من المعاريض المباحة، فكل هذا جائز، وتأولوا في قصة إبراهيم ويوسف عليهما السلام وما جاء من هذا على المعاريض والله أعلم.
كذا ذكره الألباني ثم قال: ولا يخفى على البصير أن قول الطائفة الأولى هو الأرجح والأليق بظواهر الأحاديث، وتاوليها بفي تاولته الطائفة الأخرى من حملها على المعاريض مما لا يخفى بعده، لاسيما في الكذب في الحرب؛ فإنه أوضح من أن تحاج إلى التدليل على جوازه ولذلك قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (٦/ ١١٩): قال النووي: الظاهر إباحة حقيفة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى، وقال ابن الربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه، وليس للعقل مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا، انتهى قوله.
انظر "الصحيحة" (٢/ ٧٧ - ٧٨).
(١) القائل هو الحليمي رحمه الله في "كتاب المنهاج" (٣/ ٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>