ونقل ذلك عن ابن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين واحتجوا بأن كل مخالفة لله فهي بالنسبة إلى جلاله كبيرة. ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: المعاصي كلها كبائر وإنما يقال لبعضها صغيرة، بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال القلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر. قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر واجبا باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة. ومرتكبه في المشيئة غير الكفر لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وأجابوا عن الأية التي احتج أهل القول الأول بها-وهي قوله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} أن المراد الشرك، ثم قال: وقالوا وجواز العقاب على الصغيرة كجوازه على الكبيرة. قال النووي وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة إلى القول الأول، وقال الغزالي في البسيط" إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه. ثم قال ابن حجر: قد حقق إمام الحرمين المنقول عن الأشاعرة واختاره وبين أنه لا يخالف ما قاله الجمهور فقال في "الإرشاد": المرتضى عندنا أن كل ذنب يعصى الله به كبيرة، فرب شيء يعد صغيرة بالإضافة إلى الأقران، ولو كان في حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من عصي، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب وإن عظمت فهي متفاوتة في رتبها، وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين: فبالنسبة إلى مقايسة بعضها لبعض فهي تختلف قطعًا، وبالنسبة إلى الأمر الناهي فكلها كبائر. والتحقيق أن الخلاف معنوي، انتهى كلام ابن حجر، راجع "فتح الباري" (١٠/ ٤٠٩ - ٤١٠). (٢) راجع "المنهاج" (١/ ٤٠٠ - ٤١٤).