وصلت الرسالة (١) إلى أبي محمد ما كان منه إلا التوقف عما كان عزم عليه، والاعتراف بمبلغ علم البيهقي في الحديث.
وقال البيهقي في رسالته:"وقد علم الشيخ -أدام الله توفيقه- اشتغالي بالحديث واجتهادي في طلبه، ومعظم مقصودي فيه في الابتداء التمييز بين ما يصح الاحتجاج به من الأخبار وبين ما لا يصح".
وقد نعى على الفقهاء عدم خبرتهم بالحديث وعدم الدقة في نقل الألفاظ مما يعطي المعارضين للشافعي الفرصة للكلام عليه. بينما كان منهج الإمام التمسك بما صح من السنة وترك العمل برواية الضعفاء والمجهولين.
ثم وضح أن كل عالم يريد أن يشتغل بالحديث ويتكلم في متونه عليه أن يعلم مبدئيا أن الأحاديث المرفوعة على ثلاثة أنواع.
١ - نوع اتفق أهل العلم به على صحته.
٢ - ونوع اتفقوا على ضعفه.
٣ - ونوع اختلف في ثبوته.
فبعضهم يضعف بعض رواته بأسباب ظهرت له وخفيت على غيره، أو علل اطلع عليها فاتت من عداه. وكان البيهقي من أول أمره مولعا بالجمع والتصنيف لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتمييز بين الصحيح والضعيف، كما عبر عن ذلك بنفسه، فيقول في كتابه "معرفة السنن والآثار": "وإني مذ نشأت وابتدأت في طلب العلم، أكتب أخبار سيدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله أجمعين، وأجمع آثار الصحابة الذين كانوا أعلام الدين، وأسمعها ممن حملها. وأتعرف أحوال رواتها من حفاظها، وأجتهد في تمييز صحيحها من سقيمها، ومرفوعها من موقوفها، وموصولها من مرسلها".
(١) وقد ذكر السبكي في "طبقات الشافعية" (٣/ ٢١٠ - ٢١٧) "الرسالة" كاملة.