للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن قال: لم يزل غير آمر وإنما يكون كلامه أمرا لحدوث معنى فنقول لا يجب إذا كان لم يزل متكلما أن يكون لم يزل أمرا لأن حقيقة الكلام غير حقيقة الأمر ولم يكن كلاما لأنه أمر وإنما كان كلاما لأنه مسموع يفيد معاني المتكلم وينفي السكوت ويكون أمر العلة الإفهام أن كذا يلزمه أن يفعله.

فإن قيل لو كان لم يزل متكلما لكان هاذيا إذ لا أحد يسمع كلامه.

قيل: أليس المسبح لا يسمع كلامه أحد ولا يكون هذيا فإن قيل: الله يسمعه قيل: فهو يسمع الهذيان أيضا ولايخرجه من أن يكون هذيانا ولأن معنى الهذيان أنه كلام لا يفيد وكلام الله يفيد المعاني الجليلة.

فإن احتج محتج بالحروف وتاخر بعضها عن بعض، وفي ذلك دلالة على الحدث وكلام الباري ليس بحروف وإنما هو معنى موجود قائم بذاته يسمع وتفهم معانيه والحروف تكون أدلة عليه كما تكون الكتابة أمارات الكلام ودلالات عليه وكما يعقل (١) متكلما لا مخارج له ولا أدوات كذلك يعقل له كلاما ليس بحروف ولا أصوات وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (٢) دليلنا لأنه لولا أن في الأذكار ذكرا غير محدث ما كانت له فائدة كما أن من قال: جاءني رجل له رأس ما كانت له فائدة إذ لا يخلو منه رجل. ومعنى الذكر كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو نفس الرسول لأنه هو الذي يأتي في الحقيقة وأما النسخ والتبديل والحفظ فكل ذلك راجع إلى الإحكام وإلى القراءة الدالة على الكلام لا إلى عين الكلام وكذلك التبعيض إنما هو في القراءة الدالة عليه والقراءة غير المقروء كما أن ذكر الله غير الله وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (٣). يريد به سميناه كقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} (٤) أي وصفوا الملائكة إناثا.


(١) في المطبوعة "تفعل".
(٢) سورة الأنبياء (٢١/ ٢).
(٣) سورة الزخرف (٤٣/ ٣).
(٤) أيضًا (٤٣/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>