للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحليمي (١) رحمه الله: وروي عن عبد الرحمن بن مهدي أنّه قال: معناه: فإذا اطلع عليه سرّني، ليقتدى بي ويعمل مثل عملي، ليس أنّه يسوّه أن يذكر ويثنى عليه، وإنّما هو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سنّ سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها" (٢).

وكما روي: أنّ رجلًا قام من الليل يصلّي فرآه جار له، فقام يصلي فغفر للأوّل يعني: أنّ الثّاني قد أخذ عنه وتابعه.

وهذا محتمل، ويحتمل غيره، وهو أنّه إذا عمل خيرًا سرّه أن يذكر به، فيكون محمودًا في الناس، لا مذمومًا، ولا حمد أبلغ من أن يُقال: إنّه قوّام بحقّ ربّه، وليس هذا من المراءاة في شيء، إنّما المراءاة أن يعمل الخير لا يريد به وجه الله تعالى، ولا يبتغي به مرضاته، ولا ثوابه، إنّما يريد به أن يقول النّاس: هذا رجل خيّر، فأمّا أن يعمل لله تعالى بالحقيقة، ويسرّه أن يعلم النّاس منه أنّه من عُماّل الله، فإن مدحوه مدحوه بصلاحه لعبادة الله، لا لغير ذلك مما يمدح به النّاس، ويثني بعضهم على بعض من أمور الدنيا، فليس هذا من الرياء في شيء، ألا ترى أن الله تعالى ذم قومًا {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (٣).

فدل ذلك على أن من أحب أن يحمد بما فعل فلا ذم، وكيف يذم من أراد أن تكون إضافته إلى الله لا إلى غيره، كما جعل همه مقصورًا على عبادته دون غيرها، إنما المذموم من يعمل ما أمر أن يبتغى به وجهه مريدًا به وجه غيره، والفرق بينهما ظاهر لمن أنصف.

قال: واحتج ذلك القائل بأن الحديث جاء بكراهية أن يزكى الرجل في وجهه، فَيُقَالُ له: هذا إن يثنى عليه في وجهه فيمتلئ منه عجبا وبذخا، ويقول في نفسه: أنا الممدوح بكذا وكذا، ويستهين بذلك غيره، وما قلناه غيرهذا، وهو أن يسمع الرجل يضاف إلى مولاه بالطاعة، وحسن العبادة، فيسره أن الله تعالى أنزله منزلة الكرامة من نفسه، وجمع له بين الحسنتين إحداهما أن وفقه لعبادته، والأخرى أن جعله ما إذا مدح مدح باسمه، وأضيف إلى ما يكون مرجعه إليه من عبادته، ولم يجعله يمدح بما يمدح


(١) راجع المنهاج في (٣/ ١١٧ - ١١٨).
(٢) مرّ الحديث في هذا الكتاب برقم (٣٠٤٨ - ٣٠٥٠).
(٣) سورة آل عمران (٣/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>