عبيد بن ناصح النحوي، حدثنا محمد بن مصعب القرقساني، حدثني الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال: بعث إلي المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل، فلما وصلتُ إليه سلمتُ عليه بالخلافة، فرد علي وأجلسني، ثم قال: ما الذي بطأبك عنا يا أوزاعي؟ قلتُ: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الأخذ عنك، والاقتباس منك، قلتُ: فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئًا مما أقول لك، قال: وكيف أجهله وأنا أسألك عنه، وقد وجهت إليك، وأقدمتك له؟ قلت: أن تسمعه ولا تعمل به يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره الله، إن الله هو الحق المبين، قال: فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور، وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة فطابت نفسي، وانبسطتُ في الكلام، وقُلتُ: يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول، عن عطية بن بسر، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما عبد أتاه موعظة من الله في دينه فإنما هى نعمة من الله سيقت إليه، فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله ليزداد بها إثما، ويزداد الله عليه بها سخطًا".
يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول، عن عطية بن بسر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما وال بات كاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة".
يا أمير المؤمنين، إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولوكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان بهم رءوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه في ذات يده، وعند الناس لحقيق أن يقوم له فيهم بالحق، وأن يكون بالقسط له فيهم قائما، ولعوراتهم ساترا، لم يغلق عليه دونهم الأبواب، ولم يقم عليه دونهم الحجاب، يبتهج بالنعمة عندهم ويبتئس بما أصابهم من سوء،- يا أمير المؤمنين، قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم وأسودهم، مسلمهم وكافرهم، وكل له عليك نصيب من العدل، فكيف بك إذا اتبعك منهم فئام وراء فئام؟ ليس منهم أحد إلا وهو يشكو بلية أدخلتها عليه أو ظلامة سقتها إليه يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول، عن عروة بن رويَم قال: كانت بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جريدة رطبة يستاك بها ويروع بها المنافقين، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، ما هذه الجريدة التي قد كسرت بها قرون أمتك وملأت بها قلوبهم رعبًا، فكيف بمن شقق أبشارهم، وسفك دماءهم، وخرب ديارهم، وأجلاهم عن بلادهم، وغيبهم الخوف منه،