فيه كلام، وهذه حكاية عن مجهول. وقد ذكر القرطبي هذا الأثر في كتابه "التذكرة" (١٧٤) عن بعض أصحابه وقال: وذكر هناد بن السري، حدثنا ابن فضيل، عن أبي سفيان، عن الحسن قال: أصاب سعد بن معاذ جراحة فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - عند امرأة تداويه. فقال: إنه مات من الليلة فاتاه جبريل فاخبره. لقد مات الليلة منكم رجل لقد اهتز العرش لحب لقاء الله إياه، فإذا هو سعد بن معاذ، قال: فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قي قبره فجعل يكبر ويهلل ويسبح، فلما خرج قيل له يا رسول الله ما رأيناك صنعت هكذا قط. قال:" إنه ضُمّ في القبر ضمّة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله تعالى أن يرفه عنه. وذلك أنه كان لا يستبرئ من البول". (قلت) هذا باطل، وهو مع كونه منقطعًا من رواية أبي سفيان وهو طريف بن شهاب- وقيل: ابن سعد- وقيل ابن سفيان- السعدي الأشل، وهو مجمع على ضعفه. فقال أحمد: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بالقوي، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث ثم إن في الصحيحين أن سعدًا ضرب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيمة في المسجد ليعوده من قريب. (البخاري في المغازي ٥/ ٥٠، ومسلم في الجهاد رقم ١٧٦٩). وقال ابن حجر معقبًا على القرطبي: وما حكاه القرطبي في "التذكرة" وضعفه عن بعضهم أن أحدهما (أي الذين مر بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وهما يعذبان في القبر) سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره إلا مقرونًا ببيانه. ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر دفن سعد بن معاذ كما في الحديث الصحيح. وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "من دفنتم اليوم ها هنا؟ " فدل على أنه لم يحضرهما. وإنما ذكرت هذا ذبًّا عن هذا السيد الذي سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - "سيّدًا" وقال لأصحابه "قوموا إلى سيدكم" (البخاري ٥/ ٥٠) وقال: "إن حكمه قد وافى حكم الله " وقال: "إن عرش الرحمن اهتز لموته" إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة، خشية أن يغتّر ناقص العلم بما ذكره القرطبي فيعتقد صحة ذلك وهو باطل. (فتح الباري ١/ ٣٢٥). وذكر الذهبي في "السير" (١/ ٢٩٥) عن أبي معشر، عن سعيد المقبري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد. ولقد ضُمّ ضمة اختلف منها أضلاعه من أثر البول". قال الذهبي:"هذا منقطع". وأشار محقق الكتاب إلى أنه على انقطاعه ضعيف لضعف أبي معشر. وقال الذهبي أيضًا: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء. بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تاثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، ما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، =