للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أشبه ذلك وهو أيضًا نداء قال الله عز وجلّ: {كهيعص. ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (١).

قال: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} (٢).

وفي آية أخرى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ} (٣).

ومعنى "رب " يارب فثبت أن الدعاء نداء، والنداء دعاء ثم إن له أركانًا وآدابًا فمن أركانه: أن يكون المرغوب فيه مما يبلغ قدر السائل أن يسأله، وتفسيره أنه ليس لأحد أن يتشبه بإبراهيم عليه السلام فيدعو الله جل ثناؤه أن يريه كيف يحيي الموتى، ولا أن يتشبه بموسى عليه السلام فيقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (٤).

ولا أن يتشبه بعيسى عليه السلام فيقول: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} (٥) ولا لأحد أن يسأل الله تعالى إنزال ملك عليه فيسأله عن خبر من أخبار السماء، أو إحياء أبويه، لأن نقض العادات إنما يكون من الله تعالى لتأييد من يدعو إلى دينه، لا لشهوات العباد ومناهم، إلا أن يكون السائل نبيًّا فيجمع إجابته إياه أمنيته وتأييده بما يصدف دعوته، ولكنه إن دعا كما دعا نوح عليه السلام فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (٦)

جاز، وإنما يبعثه عليه بعض أعداء الله، وكذلك إن حدثت له ضرورة من جوع أو برد شديد أو غير ذلك في بادية هو ماذون له في دخولها من جهة الشرع، أو أصابه عمى ولا قائد له فدعا الله أن يكشف ما به الضر مطلقًا، كان ذلك جائزًا، وإن كان في إصابته إياه نقض العادة. وقد يفعل به ذلك من غير مسألته جزاء له لتوكله وقوة إيمانه.

قال ومن أركانه: أن لا يكون عليه في سؤال ما يسأل حرج.

ومنها: أن يكون له في السؤال غرض صحيح.


(١) سورة مريم (١٩/ ١ - ٣).
(٢) سورة الأنبياء (٢١/ ٨٩).
(٣) سورة آل عمران (٣/ ٣٨).
(٤) سورة الأعراف (٧/ ١٤٣).
(٥) سورة المائدة (٥/ ١١٤).
(٦) سورة نوح (٧١/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>