للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتَّقْدِيم والتَّأخِير قِسْمَان:

الأوَّل: ما أشْكَل مَعْنَاه بِحَسب الظَّاهِر، فَلَمّا عُرِف أنه مِنْ بَاب التَّأخِير والتَّقْدِيم اتّضَح.

وقد تَعَرَّض السَّلَف لِذلك في آيات، فأخْرَج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [التوبة: ٥٥] قال: هذا مِنْ تَقَادِيم الكَلام، يَقول: لا تُعجِبك أمْوالهم ولا أوْلادهم في الْحَياة الدُّنيا، إنما يُرِيد الله ليُعذِّبَهم بها في الآخِرَة.

الثاني: ما لَيْس كَذلِك. وقد ألَّف فيه العلامة شمس الدين بن الصائغ كِتَابه "المقدِّمَة في سِرّ الألْفَاظ الْمُتَقَدِّمة" (١)، قال فيه: الْحِكْمَة الشَّائعَة الذَّائعَة في ذَلك الاهْتِمَام كما قال سِيبَويه في كِتَابِه، كأنَّهم يُقدِّمون الذي بَيَانه أهَمّ، وهُم بِبَيَانِه أعْنَى (٢)

أمَّا أسْبَاب التَّقْدِيم والتَّأخِير فَيَرَى ابن الصَّائغ أنها تَدُور عَلى عَشَرة أسْبَاب:

١ - التَّبَرُّك، كَتَقْدِيم اسْم الله في الأمُور ذَوات الشَّأن.

٢ - التَّعظِيم.

٣ - التَّشْرِيف.

٤ - الْمُنَاسَبَة؛ وهي إمَّا مُنَاسَبة الْمُتَقَدِّم لِسِيَاق الكَلام، وإمَّا مُنَاسَبَة لَفْظ هو مِنْ التَّقدّم أو التَّأخُّر.

٥ - الْحَثّ عليه والْحَضّ على القِيام بِه حَذَرًا مِنْ التَّهَاون به، كَتَقْدِيم الوَصِيَّة على الدَّين.

٦ - السَّبْق، وهو إمَّا في الزَّمَان باعْتِبَار الإيجاد، كَتَقْدِيم الليل على النَّهار، والظُّلُمَات على النُّور، وآدَم على نُوح … أَوْ باعْتِبَار الإنْزَال، أو بِاعْتِبَار الوُجُوب والتَّكْلِيف، أو بالذَّات.


(١) وذَكَرَه حَاجِي خَليفة بِاسْم: "مُقَدِّمَة في سِرّ الألْفَاظ الْمُتَقَدِّمَة" قال: لابن الصائغ محمد بن عبد الرحمن الحلبي، سنة ٧٧٢ اثنتين وسبعين وسبعمائة. (كشف الظنون ٢/ ١٨٠٣).
(٢) مُعْتَرَك الأقْرَان، مرجع سابق (١/ ١٧١ - ١٧٣).

<<  <   >  >>