للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان قتادة يتأوَّل قوله: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) على ما قُلْنا (١).

كما رَوى ابن جرير - بإسْناده - إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ). قال: لم يُنْزِل الله السِّحْر.

وروى أيضًا عن الربيع بن أنس (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قال: ما أنْزَل الله عليهما السِّحْر (٢).

ثم قال ابن جرير: فَتَأويل الآيَة عَلى هَذا الْمَعْنَى الذي ذَكَرْنَاه عن ابن عباس والرَّبِيع مِنْ تَوجِيهِهما مَعْنَى قَوله: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) إلى: "ولم يُنْزِل على الْمَلَكَين".

واتَّبَعُوا الذي تَتْلُوا الشَّياطِين عَلى مُلْك سُلَيمَان مِنْ السِّحْر، وما كَفَر سُلَيمَان ولا أَنْزَل الله السِّحْر على الْمَلَكَين، ولكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُون النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت، فَيَكُون حِينئذ قوله: (بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) مِنْ الْمُؤخَّر الذي مَعْنَاه التَّقْدِيم.

فإن قَال لنا قائل: وكَيف وَجْه تَقْديم ذَلك؟ قيل: وَجْه تَقْدِيمه أن يُقَال: واتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِين عَلى مُلْك سُلَيمَان، ومَا كَفَر سُلَيمَان، وما أُنْزِل على الْمَلَكَين، ولكن الشَّياطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُون النَّاس السِّحْر بِبَابِلَ هَارُوت ومَارُوت؛ فيكون مَعنيًا بـ (الْمَلَكَيْنِ) جِبْرِيل ومِيكَائيل؛ لأن سَحَرَة اليَهود - فيما ذُكِر - كانت تَزْعُم أنَّ الله أنْزَل السِّحْر على لِسَان جِبْرِيل ومِيكَائيل إلى سُلَيمَان بن دَاود، فأكْذَبها الله بِذلك، وأخْبَر نَبِيَّه مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أنَّ جِبْرِيل ومِيكَائيل لم يَنْزِلا بِسِحْرٍ قَطّ، وبَرّأ سُلَيمَان مما نَحَلُوه مِنْ السِّحْر، فأخْبَرَهم أنَّ السِّحْر مِنْ عَمَل الشَّياطين، وأنها تُعَلِّم النَّاس ذَلك بِبَابِل، وأنَّ الذين يُعَلِّمُونهم ذلك رَجُلان؛ اسْمُ أحَدِهما هَارُوت، واسْم الآخَر مَارُوت؛ فيكن هَارُوت ومَارُوت على هذا التَّأويل تَرْجَمَةً على النَّاس ورَدًّا عَليهم (٣).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٢/ ٣٢٨).
(٢) سيأتي تخريج هذه الروايات.
(٣) جامع البيان، مرجع سابق (٢/ ٣٣١، ٣٣٢).

<<  <   >  >>