للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قِيل الْمَعْنَى: ونُقَلِّبُ أفْئدَتَهم وأنْظَارَهم يَوْم القِيامَة عَلى لَهَب النَّار وحَرِّ الْجَمْر، كَمَا لَم يُؤمِنُوا في الدُّنْيا، (وَنَذَرُهُمْ) في الدُّنْيا، أيْ: نُمْهِلُهم وَلا نُعَاقِبهم، فَبَعْض الآية في الآخِرة وبَعْضها في الدُّنيا، ونَظِيرُها: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) [الغاشية: ٢]، فَهذا في الآخِرة. (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) [الغاشية: ٣] في الدُّنيا.

وقيل: (وَنُقَلِّبُ) في الدُّنيا، أي نَحُولُ بَيْنَهم وبَين الإيمان لَو جَاءتهم تلك الآية، كما حُلْنَا بَيْنَهم وبَين الإيمان أوَّل مَرَّة لَمَّا دَعَوتَهُم وأظْهَرْتَ الْمُعْجِزَة، وفي التَّنْزِيل: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال: ٢٤]، والْمَعْنَى: كَان يَنْبَغِي أن يُؤمِنُوا إذا جَاءتهم الآية فَرَأوها بأبْصَارِهم وعَرَفُوهَا بِقُلُوبِهم، فإذا لَم يُؤمِنُوا كَان ذَلك بِتَقْلِيبِ الله قُلُوبَهم وأبْصَارَهم (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ). وَدَخَلَتِ الكَاف على محذوف، أي: فَلا يُؤمِنُون كَمَا لَم يُؤمِنُوا بِه أوَّل مَرَّة، أي: أوَّل مَرَّة أتَتْهُم الآيَات التي عَجِزُوا عَنْ مُعَارَضَتِها مِثْل القُرآن وغيره.

وقيل: ونُقَلِّبُ أفْئدَة هَؤلاء كَيْلًا يُؤمِنُوا، كَمَا لم تُؤمِن كُفَّار الأُمَم السَّالِفَة لَمَّا رَأوا ما اقْتَرَحُوا مِنْ الآيَات.

وقِيل: في الكَلام تَقْدِيم وتَأخِير، أي: أنَّها إذا جَاءتْ لا يُؤمِنُون كَمَا لَم يُؤمِنُوا أوَّل مَرَّة، ونُقَلِّبُ أفْئدَتَهم وأبْصَارَهم. (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يَتَحَيَّرُون (١).

وقال في تَفْسِير سُورة البَقَرة مَا نَصّه:

فالْخَتْمُ على القُلُوب عَدَم الوَعْي عَنْ الْحَقّ سُبْحَانه مُخَاطَبَاتِه والفِكْر في آيَاتِه، وعَلى السَّمْعِ عَدَم فَهْمِهم للقُرْآن إذا تُلِيَ عَلَيهم، أوْ دُعُوا إلى وَحْدَانِيَّتِه، وعَلى الأبْصَار عَدَم هِدَايَتِها للنَّظَر في مَخْلُوقَاتِه وعَجَائب مَصْنُوعَاتِه. هَذا مَعْنَى قَول ابن عباس وابن مَسعود وقادة وغيرهم … وكان فِعْل الله ذَلك عَدْلًا فِيمَن أضَلَّه وخَذَلَه، إذْ لَم


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ٥٩، ٦٠).

<<  <   >  >>