للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم، وهَذَا مِنْ عَدْل الله وحِكْمَتِه بِعِبَادِه، فَإنَّهُم الذين جَنَوا على أنْفُسِهم وفَتَح لهم البَاب فَلم يَدْخُلُوا، وبَيَّن لهم الطَّرِيق فَلَم يَسْلُكُوا؛ فَبَعْدَ ذَلك إذا حُرِمُوا التَّوفِيق كَان مُنَاسِبًا لأحْوَالِهم، وكَذَلك تَعْلِيقُهم الإيمان بإرَادَتِهم ومَشِيئتِهم وحْدَهم وعَدَم الاعْتِمَاد على الله مِنْ أكْبَر الغَلَط؛ فإنَّهم لَو جَاءتْهم الآيات العَظِيمَة مِنْ تَنْزِيل الْمَلائكَة غليهم يَشْهَدُون للرَّسُول بالرِّسَالة، وتَكْلِيم الْمَوتى، وبَعْثِهم بَعْد مَوْتِهم (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) حتى يُكَلِّمَهم (قُبُلًا) وَمُشَاهَدَة ومُبَاشَرَة بِصِدْق مَا جَاء به الرَّسُول؛ مَا حَصَل لَهم الإيمان إذا لَم يَشَأ الله إيمانهم" (١).

ويَدلّ عليه قَوله تعالى بَعد هذه الآية: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام: ١١١].

وقَوله تَعالى: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأعراف: ١٨٦].

كما أنَّ هذا الفِعْل بهم مِنْ بَاب الْمُقَابَلَة على فِعْلِهم، كَما قَال تَعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ) [السجدة: ١٤].

وكَمَا قَال جَلَّ جَلاله: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [الجاثية: ٣٤].

فإن هذا ليس نِسْيَانًا مِنْ الله، فإنَّ النَّاسِي غَير مُؤاخَذ، "والنِّسْيَان هُنا بِمَعْنَى التَّرْك" (٢)، وفي الحديث أنّ الله يقول لِعبْدِه: إني أنْسَاك كَمَا نَسِيتَنِي (٣).

والطَّبْع والْخَتْم والتَّغْلِيف عُقُوبَات تَقَع على القُلُوب القَاسِيَة (٤).


(١) تيسير الكريم الرحمن، السعدي (ص ٢٦٩).
(٢) التسهيل لعلوم التنْزيل، لابن جُزي (٣/ ١٣٠) ويُنظر لذلك: شِفَاء العليل، مرجع سابق (١/ ٣٤٢).
(٣) رواه مسلم، وسيأتي بتمامه، ويأتي تخريجه هناك.
(٤) ويُنظر لذلك: شِفَاء العليل، مرجع سابق (١/ ٢٢٥ وما بعدها).

<<  <   >  >>