للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولَو عَذَّب الله عِبَادَه أجْمَعِين كَان غَيْر ظَالِم لَهُم، كَمَا أنه إذا هَدَى ووَفَّق مَنْ شَاء مِنْهم، وأضَلّ وخَذَل مَنْ شَاء مِنْهم، كَان غَير ظَالِم لَهُم، وإنّمَا الظَّالَم مَنْ فَعَل غَير مَا أُمِرَ بِه، والله تَعالى غَيْر مَأمُور لا شَرِيك لَه" (١).

كَمَا أنَّ الله لا يُعَذِّب أحَدًا حَتى يُقِيم عَليه الْحُجَج والبَرَاهِين والآيَات البَيِّنَات.

روى الأئمة: أحمد (٢) وعبدُ بن حُميد (٣) وأبو داود (٤) وابن ماجه (٥) وابن حبان (٦) والبيهقي (٧) من طريق ابن الديلمي قال: أتيت أُبيّ بن كَعْب، فَقُلْتُ له: وَقَعَ في نَفْسِي شَيء مِنْ القَدَر، فَحَدِّثْنِي بِشَيء لَعَلَّه أن يَذْهَبَ مِنْ قَلْبِي، فَقَال: إنَّ الله لَو عَذَّب أهْل سَمَاواته وأهْل أرْضِه عَذَّبهم غَير ظَالِم لَهم، ولَو رَحِمَهم كَانَتْ رَحْمَته خَيرًا لهم مِنْ أعْمَالِهم. قال: ثم أتَيتُ عبد الله بن مسعود فَقَال مِثْل قَوله، ثم أتَيتُ حذيفة بن اليمان فَقَال مِثْل قَوله، ثم أتَيتُ زَيد بن ثابت فَحَدَّثَني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْل ذلك.

"فإن قِيل: كَيف تَقُوم حُجَّتُه عَليهم وقَد مَنَعَهم مِنْ الْهُدَى، وحَال بَيْنَهم وبَيْنَه؟ قِيل: حُجَّتُه قَائمَة عَليهم بِتَخْلِيَتِه بَيْنَهم وبَيْن الْهُدَى، وبَيَان الرُّسُل لَهُم، وإرَاءَتِهِم الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم حَتَّى كَأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونه عَيَانا، وأقَام لَهُمْ أسْبَاب الْهِدَاية ظَاهِرًا وبَاطِنًا، ولم يَحُل بَيْنَهم وبَيْن تِلك الأسْبَاب، وَمَنْ حَالَ بَيْنَه وبَيْنَها مِنْهم بِزَوَال عَقْل، أوْ صِغَر لا تَمْيِيزَ مَعه، أوْ كَوْنه بِنَاحِيَة مِنْ الأرْض لَم تَبْلُغْه دَعْوة رُسلِهِ، فإنه لا يُعَذِّبه حتى يُقِيم عَليه حُجَّتَه، فَلَم يَمْنَعْهم مِنْ هَذا الْهُدَى، ولم يَحُل بَيْنَهم وبَيْنَه" (٨).


(١) الاستذكار، مرجع سابق (٣/ ٤٠)، وانظر: شرح السُّنَّة، البربهاري (ص ٨٩).
(٢) (ح ٢١٦١١) وقال مُحققوه: إسْنَادُه قَوِي.
(٣) (ح ٢٤٧).
(٤) (ح ٤٦٩٩)، وقال الألباني: صحيح (صحيح سُنن أبي داود ٣/ ٨٩٠).
(٥) (ح ٧٧).
(٦) (ح ٧٢٧ إحسان).
(٧) (ح ٢٠٦٦٣).
(٨) شِفاء العليل، مرجع سابق (١/ ٢١٢).

<<  <   >  >>