للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا في تَفْسِير "فُصِّلت" فَقال: وقَال بَعْض نَحْويي البَصْرَة: قال: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)، ثم قَال: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)؛ لأنه يَعني أنَّ هَذا مَع الأوَّل أرْبَعَة أيام، كَمَا تَقُول: تزوّجْت أمسِ امْرَأة، واليَوم اثْنَتَين، وإحْدَاهُما التي تَزَوّجْتها أمْس (١).

وذَكَر الاخْتِلاف في مَعْنَى "الدّحْو"، فَقَال في قَوله تَعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا): اخْتَلَف أهْل التَّأويل في مَعْنَى قَوله: (بَعْدَ ذَلِكَ)؛ فَقَال بَعْضُهم: دُحِيَت الأرْض مِنْ بَعْد خَلْق السَّمَاء - ثم ذَكَر مَنْ قَال ذَلك -.

وقال آخَرُون: بل مَعْنَى ذَلك: والأرْض مَع ذَلك دَحَاهَا. وقَالُوا: الأرْض خُلِقت ودُحِيَت قَبْل السَّمَاء، وذلك أنَّ الله قَال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)، قَالوا: فأخْبَر الله أنه سَوّى السَّمَاوات بَعْد أنْ خَلَق مَا في الأرْض جَمِيعًا. قَالوا: فَإذا كَان ذَلك كَذلك، فَلا وَجْه لِقَوله: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) إلَّا مَا ذَكَرْنا مِنْ أنه: مَع ذَلك دَحَاهَا. قَالوا: وذَلك كَقَول الله عَزّ وجَلّ: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ)، بِمَعْنى: مَع ذَلك زَنِيم … وكَمَا قَال جلّ ثَناؤه: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي: مِنْ قَبْلِ الذِّكْر - ثم ذَكَر مَنْ قال ذلك -

ورَجَّح قَول ابن عباس، فقال: والقَول الذي ذَكَرْناه عَنْ ابن عباس مِنْ أنّ الله تَعالى خَلَق الأرْض، وقَدَّر فِيها أقْوَاتَها، ولم يَدْحُها، ثم اسْتَوى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُنّ سَبْع سَمَاوَات، ثم دَحَا الأرْض بَعْد ذَلك؛ فأخْرَجَ منها مَاءها ومَرْعَاهَا، وأرْسَى جِبَالَهَا؛ أشْبَه بِمَا دَلّ عليه ظَاهِر التَّنْزِيل، لأنه جَلّ ثَناؤه قَال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)، والْمَعْرُوف مِنْ مَعْنى (بَعْدَ) أنه خِلاف مَعْنَى (قَبْل)، ولَيس في دَحوِّ الله الأرْض بَعْد تَسْوِيَتِه السَّمَاوَات السَّبْع، وإغْطَاشِه لَيْلها، وإخْرَاجِه ضُحَاهَا، ما يُوجِب أنْ تَكُون


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٢٠/ ٣٨٩) باختصار.

<<  <   >  >>