للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عطية: وقَوله تَعالى: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) يُرِيد: باليَومَين الأوَّلَين، وهَذا كَمَا تَقول: بَنَيْتُ جِدَار دَارِي في يَوْم وأكْمَلْتُ جَمِيعَها في يَومَين، أي: بِالأوَّل (١).

وقَوله: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أفْصَح وأبْلَغ.

قال الزمخشري: لَو قِيل: (فِي يَومَيْنِ) في مَوْضِع (أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً) لم يُعْلَم أنهما يَومَان كَامِلان أوْ نَاقِصَان.

فإن قلت: فَلَو قِيل: خَلَق الأرْض في يَومَين كَامِلَين وقَدَّر فِيها أقْواتها في يَومَين كَامِلَين، أوْ قِيل - بَعْدَ ذِكْرِ اليَومَين - تِلك أرْبَعة سَوَاء؟ قُلْت: الذي أوْرَدَه (٢) سُبْحَانه أخْصَر وأفْصَح، وأحْسَن طِبَاقًا لِمَا عَليه التَّنْزِيل مِنْ مُغَاصَاة (٣) القَرَائح ومُصَاكّ الرُّكَب، لِيَتَمَيَّز الفَاضِل مِنْ النَاقِص، والْمُتَقَدِّم مِنْ النَّاكِص، وتَرْتَفِع الدَّرَجَات، ويَتَضَاعَف الثَّوَاب؛ أمَرَها مَا أمَرَ بِه فِيها، ودَبَّرَه مِنْ خَلْق الْمَلائكَة والنَّيِّرَات وغَير ذلك، أوْ شَأنها ومَا يُصْلِحُها (٤).

وقال في مَوْضِع آخَر: جُرْم الأرْض تَقَدَّم خَلْقُه خَلْق السَّمَاء، وأمَّا دَحْوُها فَمُتَأخِّر (٥).

ويَرى ابْنُ كَثير أنَّ آيات سُورة "فُصِّلت" فَصَّلتْ ما أُجْمِل في "البقرة"، فقال في قوله تعالى: (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ): وهو قَوله تَعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ


(١) المحرَّر الوجيز، مرجع سابق (٥/ ٦).
(٢) لعل هذا هُروبًا من قول: "الذي قالَه الله"؛ لأن المعتزِلة يَقولون بِخَلْق القُرآن.
(٣) لعل المعنى مِنْ "الغَوص" وإخْرَاج مَكْنُون القرائح بقدحها.
(٤) الكشاف، مرجع سابق (٤/ ١٩٦).
(٥) المرجع السابق، (١/ ١٥٣).

<<  <   >  >>