للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولَيْس بِمُنْكَتِم عن الله شَيء مِنْ حَديثهم، لِعِلْمِه جَلَّ ذِكْرُهُ بِجَميع حَدِيثِهم وأمْرِهم وإنْ هُمْ كَتَمُوه بألْسِنَتِهم فَجَحَدُوه، لا يَخْفَى عَليه شَيء منه (١).

وأثبَتَ ابنُ جَرير أنَّ الكُفَّار يَكْذِبُون في الآخِرَة، فَقَال في تَفْسِير قَوله تَعالى: (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: ٢٤] مَا نَصّه: يَقول تَعالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: انْظُر يا مُحَمَّد، فاعْلَم كَيْف كَذَب هَؤلاء الْمُشْركُون العَادلُون بِرَبِّهم الأوْثَان والأصْنَام في الآخِرَة عِند لِقَاء الله على أنْفُسِهم بِقِيلِهم: والله يَا رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين. واسْتَعْمَلُوا هُنالِك الأخْلاق التي كَانوا بِهَا مُتَخَلِّقِين في الدُّنيا مِنْ الكَذب والفِرْيَة (٢).

ثم رَوَى ما تقدّم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأوْرَد أبُو جَعفر النَّحَّاس أجْوِبَة، فَقَال في قَوله تَعالى: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا): فيُقَال ألَيس قَدْ قَالُوا: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، فَفِي هَذا أجْوِبَة، مِنْها:

أن يَكُون دَاخِلًا في التَّمَنِّي، فَيَكُون الْمَعْنَى: أنهم يَتَمَنَّون ألَّا يَكْتُمُوا الله حَدِيثًا، فَيَكُون مِثْل قَولك: لَيْتَنِي ألْقَى فُلانًا وأكَلِّمه.

وقال قتادة: هي مَواطِن في القِيامَة؛ يَقَع هذا في بَعْضِها.

وقال بَعْض أهْل اللُّغَة: هُمْ لا يَقْدِرُون على أن يَكْتُمُوا؛ لأنَّ الله عَالِم بِمَا يُسِرُّون وقيل: قَولهم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) عِنْدَهم أنهم قَدْ صَدَقُوا في هَذا، فَيَكُون عَلى هذا (وَلَا يَكْتَمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) مُسْتَأنَفا (٣).

وفي تَفْسِير سُورة الأنْعَام أوْرَد قول الزجّاج، ثم قَال: فأمَّا مَعْنَى قَولهم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، وقَال في مَوضِع آخَر: (وَلَا يَكْتَمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، مَعْطُوف عَلى مَا قَبْلَه،


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٧/ ٤٤، ٤٥) باختصار وتصَرّف.
(٢) المرجع السابق (٩/ ١٩٣).
(٣) معاني القرآن، مرجع سابق (٢/ ٩٢، ٩٣).

<<  <   >  >>