للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَه لِكَمَال الفَضْل والعَدْل والْحَمْد والثَّنَاء، وهُناك يَسْعَد أقْوَام بالفَوْز والفَلاح والعِزّ والنَّجَاح، ويَشْقَى أقْوَام بالْخِزْي والفَضِيحَة والعَذَاب الْمُبِين" (١).

وقَد جَاء في صَحِيح السُّنَّة الاسْتِدْلال بِقَوله تَعالى: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) عَلى أنَّ ذَلك في يَوم القِيامة في حَال الْجَزَاء والْمُسَاءَلة.

رَوَى مُسْلِم (٢) مِنْ حَدِيث حُذَيفة قال: أُتِيَ الله بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِه آتَاه الله مَالًا، فَقَال لَه: مَاذَا عَمِلْتَ في الدُّنيا؟ قَال: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا). قَال: يَا رَبّ آتَيْتَنِي مَالَك، فَكُنْتُ أُبَايِعِ النَّاس، وكَان مِنْ خُلُقِي الْجَوَاز، فَكُنْتُ أتَيَسَّر (٣) على الْمُوسِر، وأُنْظِر الْمُعْسِر. فَقَال الله: أنا أحَقّ بِذَا مِنْك، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي. فقال عُقْبَة بن عَامِر الْجُهْنَي وأبُو مَسْعُود الأنْصَارِي: هكذا سَمِعْنَاه مِنْ فِيِّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

ورَوَى (٤) مِنْ حدِيثِ أنس بن مَالِك قَال: كُنَّا عِنْد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَضَحِك، فَقَال: هَلْ تَدْرُون مِمَّ أضْحَك؟ قَال: قُلْنا: الله ورَسُولُه أعْلَم. قَال: مِنْ مُخَاطبة العَبْدِ رَبِّه، يَقول: يا رَب! ألم تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْم؟ قَال: يَقُول: بَلَى. قَال: فَيَقُول: فَأنِّي لا أُجِيزُ عَلى نَفْسِي إلَّا شَاهِدًا مِنِّي. قَال: فَيَقُول: كَفَى بِنَفْسِك اليَوم عَلَيك شَهِيدًا، وبالكِرَام الكَاتِبِين شُهُودًا. قال: فيُخْتَم عَلى فِيهِ، فيُقَال لأرْكَانِه: انطِقِي. قَال: فَتَنْطِق بأعْمَالِه. قَال: ثم يُخَلَّى بَيْنَه وبَيْن الكَلام. قال: فَيَقُول بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِل.

فَفِيه أنَّ العَبْد قَدْ يَقُول خِلاف الْحَقِّ وخِلاف مَا يَعْلَم دِفَاعًا عَنْ نَفْسِه، ومُدَافَعَة للعَذَاب، فإذا شَهِدَتْ عَليه جَوَارِحُه أقَرَّ بِمَا جَحَد، وشَهِد بما كَتَم، وعَرَف أنَّ اللهَ لا يُكْتَم حَدِيثًا.


(١) تيسير الكريم الرحمن، مرجع سابق (ص ٢٠٧).
(٢) (ح ٢٩). والحديث رواه البخاري أيضًا (ح ١٩٧١) دُون موضع الشاهد منه، وهو الاستدلال بالآية.
(٣) في رواية: أيسر على الموسر، وأنظر المعسر. وفي رواية: "فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور".
(٤) (ح ٢٩٦٩).

<<  <   >  >>