للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اقْتُلُوا الْحَيَّات صَغِيرها وكَبِيرها، وأسْوَدها وأبْيَضها، فإنَّ مَنْ قَتَلَها كَانت له فِدَاء مِنْ النَّار، ومَن قَتَلَتْه كَان شَهِيدًا (١).

قال عُلَمَاؤنا: وإنّما كَانت له فِدَاء مِنْ النَّار لِمُشَارَكَتِها إبْليس وإعَانَتَه على ضَرَر آدَم وولَده؛ فَلِذَلك كان مَنْ قَتَل حَيَّة فَكأنّما قَتَل كَافِرًا، وقد قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَجْتَمِع كافرٌ وقَاتِله في النَّار أبَدا. أخْرَجه مُسلم (٢) وغيره (٣).

ثم عَزَز القُرطبي هَذا الاسْتِدْلال بالأحَادِيث الوَارِدَة في قَتْل الْحَيَّات، فأوْرَد حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: كُنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غارٍ وقَد أُنْزِلَت عَليه (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) [المرسلات: ١]، فَنَحْن نَأخُذُها مِنْ فِيه رَطِبَة، إذ خَرَجَتْ علينا حَيَّة، فَقال: اقْتُلُوها. فأبْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَها، فَسَبَقَتتْنا، فَقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَقَاهَا الله شَرّكُم كَمَا وَقَاكُم شَرَّها (٤). أي لَسْعَها (٥).

ثم قال: الأمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّات مِنْ بَاب الإرْشَاد إلى دَفْع الْمَضَرّة الْمَخُوفَة مِنْ الْحَيَّات فَما كَان مِنها مُتَحَقّق الضَّرَر وَجَبَتِ الْمُبَادَرَة إلى قَتْلِه، لِقَولِه: اقْتُلُوا الحيات، واقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَين (٦) والأبْتَر، فإنَّهما يَخْطِفان البَصَر، ويُسْقِطَان الْحَبَل (٧). فَخَصَّهما بالذِّكْر مَع أنّهما دَخَلا في العُمُوم، ونَبَّه على ذَلك بِسَبَب عِظَم ضَرَرِهما، ومَا لَم يَتَحَقَّق ضَرَره فَمَا كَان مِنها في غَير البُيُوت قُتِل أيْضًا لِظَاهِر الأمْر العَامّ، ولأنَّ نَوْع


(١) رواه الطبراني في الكبير (ح ٧٧٩) وقال الهيثمي في المجمع (٤/ ٤٥): رواه الطبراني في الكبير، وفيه أحمد بن الحارث الغساني، وهو متروك.
(٢) (ح ١٨٩٠).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ٣٥٣).
(٤) رواه البخاري (ح ٣١٣٩)، ومسلم (ح ٢٢٣٤).
(٥) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ٣٥٥).
(٦) قال ابن عبد البر (التمهيد ١٦/ ٢٣): يُقال: إنَّ ذا الطُّفْيَتين حَنَش يَكُون على ظَهْره خَطَان أبيضان.
ويُقال: إن الأبْتَر الأفْعى. وقيل: إنه حَنَش أبْتَر، كأنه مقطوع الذنب. وقال النضر بن شُميل: الأبتر من الحيات صنف أزرق مقطوع الذنب، لا ننظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها.
(٧) رواه البخاري (ح ٣١٢٣)، ومسلم (ح ٢٢٣٣) بنحوه. زاد مسلم: قال الزهري: ونرى ذلك من سُمّيهِما. والله أعلم. اهـ. والحبل: هو الحمل.

<<  <   >  >>